شيعة لبنان ونزوح الأقليات
شيعة لبنان ونزوح الأقليات
البطرك الماروني والمفتي الأكبر السني
عند إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920 وما تلاه من قرارت وتدابير اتخذها الإنتداب الفرنسي من شأنها إنشاء مؤسسات رسمية لترسيخ وإدارة هذا الكيان, كان في هذه الجمهورية مرجعيتان دينيتان الأولى للموارنة بقيادة البطرك الياس الحويك والثانية للمفتي الأكبر مصطفى نجا من الطائفة السنية وممثلا عن المسلمين سنة وشيعة.
صورة محرفة وقد أضيف عليها راية يا حسين لإثبات وجود الشيعة عند اعلان دولة لبنان الكبير
شيعة هذا الكيان المستحدث كانوا لغاية هذا التاريخ المفصلي 1920 يقطنون في منطقة جبل عامل وبعض أجزاء من البقاع, يعيشون حياة بدائية يسودها الجهل والأمية, يعتمدون على الزراعة وتربية المواشي تحت حكم الإقطاع والزعامات والعشائر, مما دفع الكثيرين منهم إلى النزوح صوب المدن الساحلية طلباً للعيش الكريم وللتمتع بالحياة المدنية.
في كانون الأول من عام 1921، بعد عام تقريباً من إعلان لبنان الكبير، وقّع فريق من علماء جبل عامل وأعيانه عريضة وجّهوها إلى الجنرال غورو, العريضة كما جاء ملخّصها في مجلة “العرفان” (العدد الثالث، عام 1340هـ/1921م)، تؤرّخ وضع الشيعة عموماً، وشيعة جبل عامل خاصة في تلك المرحلة، ولكن بحسب وجهة نظر علماء الشيعة, وتتضمّن ما يلي:” إنّهم (أي الشيعة) يشكّلون الأكثرية, لا يوجد منهم موظف قط في العاصمة, سوء حالة المعارف (القطاع التربوي) وسوء حالة الطرق في منطقة جبل عامل, الإعتذار عن ما فعله بعض الجهلاء (أي ما فعلته المجموعات المسلحة الشيعية المناهضة للانتداب في القرى المسيحية لا سيما قرية عين إبل)، فقد عوقب البريء قبل المسيء، وتحمّلوا غرامة فادحة، ويضيف: إنّ الشيعة في لواء صيدا الجنوبي هم الأكثرية الساحقة، لكن تخلو منهم كلّ الدوائر، ولم يبقَ في محكمة صيدا شيعي واحد حتى ولا كاتب بسيط) “.
أثرياء الشيعة
اشترى أثرياء الشيعة بيوتاً في صيدا وبيروت. الفقراء منهم شكلوا ضاحية جنوبية لصيدا, عُرفت بحي رجال الأربعين. أقام الكثير من الشيعة في صيدا قبل إحصاء عام 1932 السكاني, مما أكسبهم صفة عُرِفوا بها ب” شيعة صيدا “. وفي بيروت أيضاً شكلوا حزام بؤس حول المدينة المزدهرة. اشتغل معظمهم بالمهن القاسية والتي تحتاج إلى يد عاملة خشنة.
أقرأ أيضاً لبنان في ظل الإنتداب الفرنسي
تغييرات ديموغرافية
عرفت مدينة صور, والتي كان سكانها من السنة بأغلبهم, أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين, غزواً كبيراً من شيعة الجنوب. تغير وجه المدينة الديموغرافي خاصة بعد اجراء الإحصاء السكاني عام 1932, حيث ثبَّت الشيعة وجودهم في مدينة صور وأصبحوا سكانها الرسميين بالأغلبية العددية. أصبح السنة أقلية مع أنهم كانوا ولا يزالون من وجهاء المدينة وكبار تجارها.
من المعلوم بطبيعة الحال أن المدن السنية الأساسية على ساحل جبل لبنان كانت مقصدا للنازحين من مختلف سكان القرى والأرياف من المسيحيين والشيعة والدروز,حيث كانت تلك المدن, بيروت وصيدا وطرابلس وصور وجبيل, مدن عامرة مزدهرة بالمرافئ والمؤسسات والمحال التجارية وبالمرافق الحيوية وخدمات الطبابة والإستشفاء والتعليم.
تغيير ديموغرافي آخر
غيَّرَ شيعة الجنوب وجه مدينة صور بنزوحهم المكثف, وكذلك تغيرت معالم مدينة جبيل. تقع هذه المدينة شمالي بيروت, حيث قصدها عدد كبير من المسيحيين للسكن والعمل. سرعان ماأصبحت مدينة مسيحية بأغلبيتها, وانتفى منها التواجد السني. بقيت المساجد العثمانية, التي لا تزال حتى الساعة تصدح بالآذان في مدينة جبيل القديمة. تقع هذه المساجد بالقرب من مرفأ جبيل وسوقها التجاري القديم. خير دليل على ما جرى من تغيرات ديموغرافية للمدينة.
الأشرفية
أما في بيروت فقد كانت منطقة الأشرفية الضاحية الشرقية لبيروت مقصدا للمسيحيين وأغلبهم من الأثرياء والعائلات الإقطاعية المسيحية الذين قصدوا بيروت وبنوا فيها البيوت الفخمة وكونوا حياً خاصاً بهم ودعمهم الإنتداب الفرنسي بقوة وأسس لتثبيتهم وضم هذه الضاحية للعاصمة بيروت بشكل رسمي بحيث أصبحت الأشرفية جزءا من العاصمة, وبذلك تكون بيروت قد تزنرت بضاحية مسيحية متحضرة وبضاحية شيعية متخلفة كانت ولا تزال خارج نطاق الرسمي لبيروت العقارية.
المصادر
Share this content:
إرسال التعليق