دخول القوات السورية إلى لبنان 1976: واقع سُريالي

الدخول المفاجئ للجيش السوري الى لبنان

 

مطلع العام 1976 دخلت القوات السورية على خط الحرب الأهلية اللبنانية ولكن في الإتجاه المعاكس، دخلت لتحمي المسيحيين من الحركة الوطنية والفلسطينيين, خوفاُ من ان تؤدي هزيمة المسيحيين إلى الإرتماء في أحضان إسرائيل،  فوجهت مدافعها نحونا، أذكر تماماً حين بدأت القوات السورية بقصف صيدا من تلة البرامية المشرفة على صيدا, مستهدفة القوات الفلسطينية مما أجبرنا على ترك غرف النوم المواجهة لبلدة البرامية والإنتقال إلى غرفة الجلوس الداخلية المحاذية لمبنى سكني مجاور، اعتقدنا أنها محمية من الجهات الأربعة لذا اخترناها كمقر للإقامة عند حصول حوادث أمنية من العيار الثقيل.

 

لقاء بيار الجميل رئيس حزب الكتائب مع الرئيس السوري حافظ الأسد

 

الحياة خلال الحرب

انطبع في ذاكرتي مشهداً لا أنساه، استحمامي انا وإخوتي على مجلى المطبخ حيث أن مكان الاستحمام المعتاد لم يكن آمناَ، والمياه أصبحت شحيحة والكهرباء غير متوفرة، كان الناس يصلون على مياه الشرب من مضخة قديمة تسحب المياه من بئر مجاور، حتى الهاتف توقف عن الهتاف.

 

تعبئة المياه اثناء الحروب

فخ محكم وهزيمة نكراء

مُنِيَ الجيش السوري بهزيمة نكراء في مدينة صيدا، حيث أن لبنان بلد متواصل العمران والبنيان والمدن والقرى متصلة ببعضها البعض ومتلاصقة ولا تبعد كثيراً عن العاصمة ولا يوجد في لبنان صحاري أو مناطق خالية تماماً من السكان، فيصعب على الإنسان الغريب الداخل للمرة الأولى إلى هذا البلد أن يفهم طبيعته الجغرافية وتقسيماته الإدارية، فالطريق الممتدة بين صيدا وبيروت هي شريط متصل من البنيان والعمران والقرى الساحلية والمحلات التجارية فلم يكن هناك طريقاً سريعاً آنذاك فالطريق كانت عبارة عن خط سير ضيق تنتشر على جانبه المحلات التجارية والأفران والمطاعم والمقاهي والمنتجعات السياحية والمسابح.

 

زحمة سير خانقة من الجنوب باتجاه بيروت في محلة الجية بسبب حادث سير
طرق لبنان المتواصلة بالعمران بين المدن

 

لم يعِ أفراد الجيش السوري أنهم قد خرجوا من مدينة بيروت وهم على وشك الدخول إلى مدينة صيدا, استمرتقدمهم حتى دخلوا المدينة، لم تكن لديهم أوامر بتجاوز نهر الأولي المدخل صيدا الشمالي, إلا أن جهلهم العسكري واطوبوغرافي والجغرافي أدى بهم لدخول مدينة صيدا حيث كمنت لهم مجموعات فلسطينية مسلحة انقضت على حين غرة.

أصبحت القوات السورية محاصرة داخل الشارع الرئيسي للمدينة وسط البلد, من ساحة النجمة وصولا إلى ساحة الشهداء، مركز المدينة التجاري والحيوي، وانهالت عليها بقذائف الآر بي جي وال ” ب 7 ” المضادة للدبابات والدروع، وأسقطوا عدداً كبيراً من القتلى والجرحى في صفوف الجيش السوري ودمروا وأحرقوا العديد من الدبابات والآليات العسكرية، أحد أبراج الدبابات أي المدفع وقاعدته طارت من على الدبابة واستقرت على سطح بناية البربير التجارية وبقيت لفترة طويلة ظاهرة للعيان تدل على جيش عربي غزا مدينة عربية ووقع في فخ نصبه مسلحي العمل الفدائي الفلسطيني, دلالة سريالية, وواقع أليم, وتوجهات وتحالفات مبهمة.

syrian-tank
دبابة سورية

 

 

في أرض المعركة

في اليوم التالي للمعركة وبعد أن هدأت حدة القتال قليلاً، قرر والدي النزول إلى السوق التجاري لشراء بعض الأغراض والإطمئنان على سلامة الأقارب والأصحاب، فلما وصل إلى ساحة النجمة بدأ الرصاص يتصاعد وبدأت معركة لم يكن أحد يعرف بين من ومن تدور، مما دفعه للدخول إلى مبنى البلدية للإحتماء من الرصاص، فتفاجأ بجثث مقاتلي الجيش السوري ملقاة في ساحة البلدية بأعداد كبيرة وبشكل عشوائي مما دفعه إلى القفز عن الجثة جرياً, خوفاً من أن يدوس إحداها، وخرج من الباب الثاني للبلدية متجهاً إلى المنزل قبل أن تتفاقم الأوضاع سوءاً.

 

اقرأ أيضاً ما الذي يجري في لبنان؟

 

واقع سريالي معقد

مشهد معقد القوات العربية السورية تدخل لبنان حفاظاً على وجود المسيحيين خوفاً من قهرهم وارتمائهم بالتالي في أحضان اسرائيل, المعادلة غير واقعية, لأن المسيحيين يشتبكون أصلا مع الفدائين الفلسطنيين الثائرين على اسرائيل, والمسيحييون لا يريدون للعمل الفدائي ضد الإغتصاب الصهيوني أن ينطلق من لبنان, والنظام السوري يعيش ويقتات ويستمد مشروعية وجوده وحتى قوته وقمعه وغطرسته من القضية الفلسطينية, اذ ” لا صوت يعلو فوق صوت المعركة “, شعار الأنظمة العربية القمعية.

 

المصادر

  1. جدلية
  2. العين الإخبارية
  3. ويكيبيديا
اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

فلسطين امانة


This will close in 5 seconds

Open chat
1
Scan the code
مرحبا 👋
كيف يمكنني أن أساعدك؟