القضية الفلسطينية: حكاية أرض وشعب-2-

العمل الفدائي: آخر الخيارات المهدورة

كانت بيروت عاصمة لبنان, حاضنة العمل الفدائي منذ العام 1970,  انطلاقاً من المخيمات الفلسطينية في الداخل اللبناني إلى جبهة الجنوب حيث التماس مع تراب فلسطين المحتلة, ومن ثم سرعان ما تمددت إلى قلب المدن اللبنانية كبيروت الغربية وصيدا وصور ووصولاً إلى مختلف عواصم العالم.

 

FatehMilitia.jpg
بيروت حاضنة العمل الفدائي

 

فتح لاند

ضمت المنظمة مقاتلين بل فدائيين كانوا على جبهة استراتيجية باشتباك مباشر مع العدو انطلاقاً من رأس الناقورة وصولاً قرية حولا اللبنانية في منطقة العرقوب الذي عُرفت لاحقاً ب”فتح لاند” ( land  ). وجهاً لوجه، أمتار قليلة بل سنتيمترات تفصلهم عن عدو العرب والمسلمين التاريخي, فرصة ذهبية بل ماسية, خاصة بعد ضياع  كل الفرص الخشبية التي زيفتها الأنظمة العربية بقيادة عبد الناصر, مُدَغدغةُ أحلام العرب والفلسطينيين والتي سرعان ما انقلبت إلى كابوسٍ من كوابيس اليقظة المرعبة, بعد هزيمة 1967.

 

رعب المسيحيين من الفدائيين: حارة حريك والكحالة وحزب الكتائب

 

الفدائييه

الفدائيون: أو باللهجتين اللبنانية والفلسطينية وكما درج الناس على لفظها: “الفدائييه”.  مقاتلون متطوعون نذروا أنفسهم لتحرير فلسطين، في البداية كان جُلهم من الشباب المتحمس الثائر الرافض للهزيمة, كان أغلبهم من الشباب المخلص الصادق المتفاني، لكن سرعان ما تغلغل بينهم المرائي والوصولي والإنتهازي، خاصةً بعد سطوع نجم المال الذي أغدقه العرب على الثورة والعمل الفدائي, وتوهج نار السلطة والسيطرة على لبنان وخلق مراكز قوى ونفوذ أدت إلى بدء انقسام اللبنانيين بين مؤيد ومعارض ومنتقد لهذه الثورة, وادت لاخقاً إلى اندلاع الحرب الأخلية اللبنانية عام 1975.

 

إقرأ أيضاً القضية الفلسطينية حكاية أرض وشعب

 

اختراق العمل الفدائي

كان بينهم المُضَلَّل الأعمى والمُضَلِّل الخائن المتصل مباشرة بالعدو أياً كانت جنسية هذا العدو, كما حال معظم المنظمات والأحزاب والحركات العربية، فكانت المنظمة بمختلف فصائلها مخترقة من قبل أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والعربية والإقليمية، تغلغلت كل القوى الإستخباراتية العربية والغربية داخل المنظمة, وعملت على شقها أو تفريخ فصائل ومنظمات وحركات منشقة موالية لها.

 

مسك خيوط اللعبة

مع كل ذلك,  بقي قائد هذه المجموعات بمعظمها وبكل تناقضاتها ياسر عرفات” أبو عمار “,  لُغزٌ محير و إسم يُعد تجسيداً للقضية الفلسطينية وكفاح الشعب الفلسطيني، ويصر مؤيدوه على أنه كان الشخص الوحيد القادر على الحفاظ على آمال الشعب الفلسطيني ومواجهة الضمير العالمي بها “.

لعب عرفات دوراً هاماً بتهدئة المخلصين الثائرين ضد العدو والعمل على تبريد حماسهم والسيطرة على اندفاعهم وإشغالهم بأمور جانبية ومشاكل داخلية وخلافات تقنية وتراتبية داخل المنظمة، كما عمل على تعمية المُضَلَّلين ودعم الضالين وحماية المُضِلِّين،

 

معادلة تحتاج إلى مكر

هذه المعادلة حتى تنجح كانت بحاجة لشخص ماكر مثل ” أبو عمار”, الذي أدار العمل  الفدائي ومن ثم الحرب الأهلية اللبنانية ومواجهة الإجتياح الإسرائيلي للبنان الذي أنهى العمل الفدائي, بشكل يؤدي بالقيادة والشعب الفلسطيني إلى القبول تدريجياً بالدخول في عملية السلام  وصولاً إلى اتفاقية أوسلو ووعد الدولة الفلسطينية المكونة من الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية وحدودها خطوط الرابع من حزيران1967.

 

خائن؟!… لحظة تفكر وتأمل

إنَّ كل ما سبق ذكره, لا يؤدي بطبيعة الحال إلى اتهام عرفات بالخيانة المباشرة ولكن التسلسل الزمني للأحداث والنتائج التي وصلت إليها القضية الفلسطينية وتصفية كبار قياديي المنظمة الواحد تلو الآخر, والذي كان لهم الفضل في إمداد  الثورة الفلسطينية بالحياة وانعاشها واستمرار مقارعة العدو حتى بعد الإجتياح الإسرائيلي للبنان, كأبو جهاد خليل الوزير, والذي اشعل الإنتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1986 والتي استمرت لسنوات وتم اغتياله في تونس في فراشه, وبقاء ابو عمار وحيداً متفرداً بعملية السلام, أمراُ يستدعي الوقوف عنده وتحليل كل ما جرى بعين الباحث عن الحقيقة.

 

مخطط كيسينجر

كان هذا  المخطط  المؤدي إلى عملية ” السلام الشامل والعادل ” يحتاج بدايةً إلى القضاء على العمل الفدائي, ومن ثم وضعه قيد الإقامة الشبه جبرية في تونس, بانتظار نضوج التسويات في العالم العربي.

الذي وضع خريطة طريق هذا المخطط هو هنري كسينجر وزير الخارجية الأمريكي مطلع السبعينات وباركه العرب ونفذته إسرائيل بمساعدة مباشرة اليمين المسيحي المتطرف في لبنان المتمثل آنذاك بالقوات اللبنانية بقيادة بشير الجميل  العدو اللدود للعمل الفدائي وللتواجد الفلسطيني في لبنان.

 

Henry Kissinger Shankbone Metropolitan Opera 2009.jpg
هنري كيسينجر

 

معلومات مسربة

تؤكد معلومات موثوقة تسربت من داخل وزارة الخارجية الأمريكية، عن طريق موظفة سبق أن عملت في مكتب “كيسنجر” عام 1974م وتولت في أواخر ذلك العام طباعة بعض التقارير السرية له، تؤكد تلك المعلومات أن “كيسنجر” هو صاحب مخطط تمزيق العالم العربي، وضرب المنطقة بعضها ببعض، والعمل على استنزاف قواها الذاتية، والإعداد لتقسيم وحداتها الجغرافية، وقد وضع هذا المخطط يومذاك بصفته رئيسا لمجلس الأمن القومي.

 

لا اتهام بل شرح وسرد

وحتى لا تُوزع تهم الخيانة جزافاً على الأنظمة العربية يجب أن نشرح كيف وصلت الدول العربية إلى الإستسلام  أو  بعبارة ألطغ إلى التسليم بالأمر الواقع.. كيف أوصلت نفسها إلى هذا الوضع المهين, نسرده إن شاء الله في المقالة التالية.

المصادر

  1. ويكيبيديا
  2. إيلاف
  3. بدايات
  4. النهار
  5. الوطن
اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

Open chat
1
Scan the code
مرحبا 👋
كيف يمكنني أن أساعدك؟