حرب الممرات المائية (الصراع الجيوسياسي بين القوى الاقليمية والدولية)

Watern Feature Cope - حرب الممرات المائية (الصراع الجيوسياسي بين القوى الاقليمية والدولية) 1

حرب الممرات المائية (الصراع الجيوسياسي بين القوى الاقليمية والدولية)

اعداد: أ.د. نادين الكحيل

مقدمة

تُعتبر الممرات والمضائق البحرية عاملاً استراتيجياً في مواقع الدول، كما تشكل شرايين حيوية للاقتصاد العالمي وحركة التجارة الدولية. فهي تختصر المسافات بين القارات وتربط الأسواق بالموارد، مما يجعل السيطرة عليها عاملًا رئيسيًا في ميزان القوى الدولي. وبما أن الممرات والمضائق العربية تشكل عصب نقل النفط من المنطقة العربية الى الغرب، لذا ظلت هذه المنطقة محط انظار الدول الكبرى في استراتيجياتها العسكرية والامنية، باعتبارها نموذجاً جغرافياً سياسياً مؤثراً على المصالح الحيوية للدول المتقدمة وغيرها، ومن هنا وُلد مفهوم “حرب الممرات المائية”، أي التنافس والصراع على السيطرة أو التأثير في هذه النقاط الحساسة.

حرب الممرات المائية (الصراع الجيوسياسي بين القوى الاقليمية والدولية)

أولاً- مفهوم الأمن البحري:

يشكّل الأمن البحري بمفهومه الواسع بالنسبة للقوى الدولية أهمية استراتيجية، تنطلق من ارتباطه بأمن الطاقة، حيث تعتبر جميع الممرات المائية أو المضائق، في الاستراتيجية العسكرية، “Choke Points” نقطة اختناق بفعل الجغرافيا، وبالتالي فهي تمثّل نقطة تفوّق بالنسبة للطرف الذي يمتلك السيطرة عليها. وغالباً ما تقع هذه النقاط في دائرة التوتر والصراع؛ لذلك فإنّ جميع الممرات المائية محمية بموجب مواد القانون الدولي.

ثانياً- أسباب الصراع على الممرات المائية:

تنبع أسباب ودوافع الصراع والنزاع على الممرات المائية بين الدول، انطلاقاً من الاهمية الجيوسياسية والجيوستراتيجية والامنية والعسكرية والاقتصادية التي توفرها هذه الممرات والمضائق للدول التي تفرض السيطرة عليها او تمتلك نفوذ فيها.

  1. الأهمية الاقتصادية: تشكل الممرات المائية شرايين الاقتصاد العالمي حيث تمر عبرها معظم تجارة النفط والغاز والسلع العالمية.
  2. الأهمية العسكرية: يعتبر الأمن والدفاع البحري عاملاً اساسياً في حماية الأساطيل التجارية والسفن التي تمر عبر هذه المضائق، مما يؤدي إلى نشر عسكري: سفن حربية، دوريات، أنظمة صواريخ مضادة للسفن والطائرات بدون طيار. كما ان الهجمات البحرية أو الإرهابية (كالقرصنة أو الألغام البحرية أو الطائرات المسيرة) تزيد من حساسية الممرّات، وبالتالي ان السيطرة عليها تمنح الدول تفوقًا استراتيجيًا في الحروب.
  3. الأهمية الجيوسياسية: تبرز من خلال السيطرة التي تفرضها دولة على ممر مائي، مما يتيح لها التحكم به عبر التهديد بإغلاقه أو تعطيله كوسيلة ضغط سياسي أو اقتصادي (مثال: عندما تهدد إيران بإغلاق مضيق هرمز)، كم أن التشويش على حرية المرور يؤدي إلى ارتفاع تكاليف التأمين والشحن وتكاليف بدائل المسارات، لذلك تسعى الدول الكبرى لضمان أمن ممراتها وتأمين مصالحها عبر التحكم بالقوة في هذه الممرات.

ثالثاً- أبرز الممرات المائية الاستراتيجية في العالم وأهميتها:

هناك العديد من الممرات والمضائق البحرية والتي تشكل عصب التجارة العالمية، ومن بينها:

  1. قناة السويس (مصر): تربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط وتشكل أقصر الطرق بين آسيا وأوروبا. تعتبر إحدى اهم الممرات المائية في العالم، تعتمد عليها التجارة بين جنوب شرقي اسيا ودول الخليج العربي مع دول حوض المتوسط. زادت اهميتها مع اكتشاف النفط في الخليج العربي، باعتبارها تختصر الطريق بين جنوب شرق آسيا والسواحل الاوروبية الغربية بنحو 40-60% بالمقارنة مع الطريق الذي يمر عبر رأس الرجاء الصالح. ويوفر الوقت والتكاليف.وبسبب الاهمية الاستراتيجية لهذا الممر المائي العالمي تصارعت القوى الاستعمارية للسيطرة عليه. حظيت قناة السويس واعادة فتحها امام الملاحة الدولية بأهمية كبرى في المفاوضات الامريكية الاسرائيلية- المصرية خلال السنوات التي سبقت التوقيع على اتفاق كامب دايفييد 1979.
  2. مضيق هرمز (الخليج العربي): الممر الرئيسي لصادرات النفط والغاز من الخليج إلى العالم، هو مضيق يؤدي الى بحر شبه مغلق، يفصل ذلك الممر المائي بين إيران وسلطنة عمان، يربط مضيق هرمز الخليج بخليج عمان وبحر العرب، يبلغ عرض المضيق 33 كيلومترا عند أضيق جزء منه، لكن الممر الملاحي لا يتجاوز عرضه ثلاثة كيلومترات في كلا الاتجاهين، تكمن اهمية مضيق هرمز في ان معظم صادرات الخام تمر عبره من السعودية وإيران والإمارات العربية المتحدة والكويت والعراق، ومعظمها دول أعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، يمر من المضيق أيضا كل إنتاج قطر تقريبا من الغاز الطبيعي المسال. وقطر أكبر مُصدر له في العالم.
  3. مضيق باب المندب (اليمن): حلقة الوصل حيث يربط البحر الاحمر بالمحيط الهندي والخليج العربي والقرن الافريقي، ويقع في منتصف الطريق بين السويس وبومباي. وتشطر جزيرة بريم (ميون) هذا المضيق الى شطرين او قناتين غير متساويتين.تكمن اهمية مضيق باب المندب من انه يربط البحر الاحمر بالمحيط الهندي عبر بحر العرب والقرن الافريقي وبحر عمان ويربط الخليج العربي بالبحر الاحمر ومنه الى البحر الابيض المتوسط. يبلغ طول المضيق 50 ميلاً وعرضه 19,5 ميلاً بما في ذلك جزيرة بريم . ويتحكم بالطريق الى باب المندب عدد من الجزر ذات الاهمية الاستراتيجية ومن اهمها:جزيرة ميون (بريم): من اهم الجزر الموجودة في مضيق باب المندب لانها تتحكم بطرق الملاحة في مدخل المضيق.
  4. مضيق ملقا (بين ماليزيا وإندونيسيا): يقع مضيق ملقا في جنوب شرق قارة آسيا، بين جزيرة سومطرة الإندونيسية وشبه جزيرة ملايو في جنوب ماليزيا، يربط المضيق بين بحر الصين في المحيط الهادئ وبحر أمدان في المحيط الهندي، ويعتبر أقصر ممر بحري تعرفه المنطقة، كما يعد الممر البحري الأكثر ازدحامًا في آسيا، كما يشكل أحد أهم الممرات المائية لكونه ذات أهمية استراتيجية وسياسية واقتصادية، حيث يسهم المضيق في زيادة أهمية الدول المجاورة له ، ومضيق ملقا مهم للغاية بالنسبة للصين ، وخاصة في مجال أمن إمدادات الطاقة، باعتبارها الغالبية العظمى من إمدادات الطاقة تأتي إلى الصين عبر هذا المضيق ، وتسعى الصين إلى ضمان أمنها فيه.
  5. البوسفور والدردنيل (تركيا): ممران استراتيجيان يربطان البحر الأسود بالمتوسط، ويعد البوسفور، أضيق ممر مائي طبيعي للملاحة الدولية، يقع في الجهة الشمالية الغربية من تركيا، ويمثل الحد الفاصل بين قارتي آسيا وأوروبا بمدينة إسطنبول، يحتل موقعاً إستراتيجياً مهماً تتصارع للسيطرة عليه القوى السياسية الكبرى في العالم، ويعتبر المعبر الوحيد الذي يربط البحر الأسود بالبحار المفتوحة بالجنوب، وأحد المعابر المهمة للنقل البحري التجاري والسياحي وناقلات النفط. كما يعد المضيق واحداً من أكثر الممرات البحرية ازدحاما في العالم، ورغم أنه ممر داخلي فإنه يلعب دورا مهما في النقل الدولي، حيث إن دولا مثل رومانيا وبلغاريا وأوكرانيا وجورجيا المطلة على البحر الأسود ليس لديها أي منفذ على البحار المفتوحة إلا من خلاله. ويُصنف مضيق البوسفور من بين الطرق البحرية الهامة لنقل النفط من روسيا، والتي تعد من أكبر منتجي النفط الخام البحري في العالم، بالإضافة إلى دول أخرى مثل أذربيجان وكازاخستان، لتصديره إلى مناطق تشمل آسيا وغرب وجنوب أوروبا والولايات المتحدة.

رابعاً- مستقبل حروب الممرات المائية

يشهد العالم على تغييرات مفصلية تعيد رسم خارطة الممرات المائية في ظل التغيير المناخي والاحتباس الحراري وتحديات الامن الغذائي والمائي، وتدشين مشاريع امدادات انابيب الغاز والنفط الكبرى، حيث اصبحت الموارد المائية بما فيها الممرات المائية تشكل سلاح استراتيجي يهدد الأمن الإقليمي والعالمي، مع تنامي الطلب العالمي على الطاقة وتوسّع التجارة الدولية، وبروز التنافس الصيني الامريكي على النفوذ في مضيق ملقا وبحر الصين، والتوتر في الخليج وتهديدات ايران بإغلاق مضيق هرمز أثناء حربها الاخيرة مع اسرائيل، بالاضافة الى العديد من الحروب والنزاعات الحالية والسابقة.

ولكن يبقى مستقبل حروب الممرات المائية مرتبط بالنفوذ والسيطرة، والحاجة الجيوسياسية والاستراتيجية لفرض الهيمنة وفق ما تقتضيه مصالح الامن القومي للدول، وتكمن أهميتها في الحروب الاقتصادية التي تكون تأثيراتها اكثر تدميراً من الحروب العسكرية المباشرة.

وبحسب تقرير لليونسكو عن التنمية المائية العالمية لعام 2025، فإن ما يقارب 4 مليارات إنسان أو نصف سكان العالم يعانون من نقص حاد في المياه خلال جزء من العام على الأقل، فمن المتوقع مع ارتفاع اعداد السكان، وندرة المياه، والتغيير المناخي ان تتفاقم أزمة شح المياه ، مما يؤجج الصراعات ويرفع مؤشرات حروب المياه في المستقبل.

الخلاصة:

تجسد حرب الممرات المائية معركة على النفوذ بين الدول، حيث تتقاطع المصالح الاقتصادية والأمنية والسياسية. ويُعدّ الأمن البحري واحداً من أكثر العوامل أهمّيَّة في أمن الطاقة في العالم؛ فحدوث أيّ اضطرابات(التوترات السياسية، الهجمات البحرية، والتحولات الجيوسياسية) في عمل المضايق البحرية يمكن أن يضع العالم في أزمة طاقة، وخاصة ان حجم النفط والغاز الذي يمرّ بها هائل، وأي تعطيل لها سيؤدي سريعاً إلى تأثيرات كبيرة على الأسعار العالمية واضطراب سلاسل الإمداد والتوريد.

يتبين ان الصراعات والحروب التي نشهدها اليوم وسنشهدها في المستقبل، تتركز على السيطرة على المنافذ البحرية والموارد المائية التي تشكل اهمية جيواستراتيجية وجيوسياسية وجيواقتصادية، خاصة مع تركيز مشاريع مد خطوط انابيب الغاز والنفط.

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *