من مطار صبيحة إلى ميدان التقسيم
من مطار صبيحة إلى ميدان التقسيم
كان لا بد من المتجه من مطار صبيحة إلى ميدان التقسيم أي من القسم الآسيوي إلى القسم الأوروبي المرور على جسر السلطان محمد الفاتح الذي يربط قارتين ببعضهما, هذا الجسر لم يكن يعني لي كتلة اسمنتية تصل بين يابستين, بل هو نقطة تحول تاريخية مدعمة بحديث نبوي شريف في مدينة كان اسمها إسلام بول عند فتحها سرعان ما تحول اسمها الى اسطمبول مع بدء التغير الحضاري والإجتماعي والديني للمقصد العظيم الذي فتحت من أجله.
على هذا الجسر العظيم بماديته ومعنويته, يخالجني كلما مررت عليه مشاعر لا أستطيع وصفها ولا حتى كتابتها, كتابتها تحتاج إلى كتاب,وها انا أكتبه… جلس بجانبي في هذا الباص الحديث المكيف رفيقي غسان, كانت المسافة من مطار صبيحة إلى ميدان التقسيم تزيد عن الساعة والنصف, هذا الميدان الشهير جعلني أغرق في تفكير عميق فصلني عن اجواء الباص* وأدخلني في تقييم فكري لصفة هذا الميدان, كانت زيارته تصيبني بالملل وضيق الصدر والتفكر والتأمل, بينما كان الناس يقصدونه من أصقاع الأرض كافة يطوفون في شارعالاستقلال كالساعي بين الصفا والمروة, ومن لم تطأ قدماه ميدان التقسيم وشارع الإستقلال و كأنه لم يزر تركيا.
ميدان التقسيم وشارع الإستقلال, من الممكن أن تسميه ساحة اسطنبول الرئيسية, ميدان العاصمة الحقيقية لتركيا, يتوسطه نصباً تذكارياً, نُصُب الجمهورية الذي دُشِّن عام 1928, يجسد وجهة تركيا الحديثة, ميدان الحرية, على أحد أطرافه مسرح للإحتفالات ومنصة للمناسبات الوطنية ومعارض للفنون ومحترفات للأشغال الفنية واليدوية وحدائق من الزهور والورود. اتخذه الكثير من الجمعيات والأحزاب منطلقاً لعرض قضاياهم وأهدافهم ومنطلقاً للتظاهرات والإحتجاجات و وشهد أحداثاً سياسية وتاريخية وتغيرات وتحولات إجتماعية وإقتصادية وأعمال شغب وأحداث أمنية. كما يوجد فيه مراكز ثقافية ودار للأوبرا ومكاتب تجارية وسياحية وفنادق.
تُعتبر منطقة التقسيم قبلة كل سائح يأتي إلى اسطمبول, ترى الناس في هذا الميدان ألوف مؤلفة, يمشون وكأنهم في شارع من شوارع الجنة, منبهرين متلفتين, يمشون الهوينة, على طول الشارع محال تجارية ومطاعم ومقاهي وبسطات متحركة, وجموع متفرقة من المستعرضين لفنونهم وفعالياتهم الملفتة للنظر, تجد كل انواع الأطعمة والحلويات والمثلجات والمرطبات والذرة والكستناء والعصائر والفواكه تُعرض بطرق فنية تشكيلية ومبتكرة وملفتة للنظر تستجلب السائح للتجربة والتذوق.
ينتشر أيضا المتسولون وقد تفننوا بطرق تسولهم, ابتداء من بيع المناديل والمياه والمسابح ( السبح ) ,منهم من تفنن وارتقى بتسوله إما مغنيا وإما راقصا وإما عازفا وإما مستعرضا عروضا غريبة يطغى عليهم لمحات الفن التجريدي والبوهيمي, الطريقة التي لفتتني كثيرا في التسول هي الظهور بمظهر المغني أو العازف المحترف الذي غدر به الزمان ولم يستطع أن يأخذ فرصته فرماه الفقر والعوز على أرصفة شارع الإستقلال مغنيا أو عازفا للفت النظر واستجداء العاطفة والشفقة وشد الناس للتفرج والإستماع ورمي بضع من النقود المعدنية, إما استمتاعا بما رأوا وإما شفقة أو إحسانا.
وللحديث تتمة… انتظرونا
Share this content:
إرسال التعليق