طالبان: عودة البطل-الحصاد
طالبان: عودة البطل-الحصاد
منذ أن اتخذت قوات طالبان بقيادة الملا عمر القرار بالإنسحاب إلى الجبال بعد الإجتياح الأمريكي لأفغانستان في اكتوبر من العام 2001, كان يبدو للمتبصر بأن تلك القوات انسحبت للحفاظ على وجودها من الحسم العسكري الذي يؤدي إلى نهايتها, والتموضع في مناطق جبلية وعرة لإعادة تنظيم صفوفها.
أعاد قائدها ال” مُلَّا عمر” تنظيمها، وشَنّ في العام 2003 موجة تمرد على الحكومة الأفغانية وقوات المساعدة الدولية, مما أدى إلى إعادة تثبيت قوات طالبان والتي بدأت تستعيد قوتها وتفرض نفسها كرقم صعب في أفغانستان في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية والإدارة الأفغانية المؤقتة, التي انتَخبت في مؤتمر بون حامد كرزاي رئيسًا للإدارة الأفغانية المؤقتة.
إقرأ أيضاً دولة حبيسة على طريق الحرير
فشل كوني
لم تحقق الحرب الكونية ابتداء من العام 2001 والتي شنها كلٌ من الولايات المتحدة الأمريكية بداية ومن ثم قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان: International Security Assistance Force بالإضافة لانضمام حلف الناتو لاحقا, النجاح المتوقع والمطلوب, ظلت حركة طالبان متواجدة في أجزاء من أفغانستان تشن العملية تلو الأخرى على القوات الأجنبية ولم يتم تحقيق الهدف الأهم بتدمير أو تقييد تحركات تنظيم القاعدة والقضاءعلى حركة طالبان.
أسباب الفشل الكوني
يعود هذا الصمود الغير مسبوق للأسباب التالية:
أولاً: حركة طالبان حركة مكونة من طلبة العلم الشرعي. وتستند في هيكليتها على علماء وطلبة علم يعملون وفق الشريعة الإسلامية ووفق المزاج العام الأفغاني الملتزم بطبيعته وفطرته.
كان لحركة طالبان دور رئيسي ومحوري عام 1996 في انهاء الحرب الأهلية الأفغانية التي اندلعت بعد تحرير افغانستان واندحار القوات الروسية, ووحدت اغلب أجزاء البلد على واقع جديد من الإستقرار والسلام بعدحروب عبثية طاحنة.
ثانياً: كان للقرار المصيري الصائب عام 2001 بالانسحاب من وجه القوات الأمريكية والتموضع واعادة الإنتشار في المناطق الجبلية وقعاً إيجابياً إذ حافظت طالبان شعبا وقيادة وجيشا على وجودها ونجت من زوال مؤكد وانكبت الحركة على مراجعة حساباتها وإعادة تنظيم صفوفها.
ثالثاً: الحالة النفسـية لسكان البلاد، كما قال الباحث السويسري بيـير سونليفر، الذي أنجز وألف دراسات ميدانية عديدة في أفغانستان،: “في نظر الأفغان، تحتل القوات الغربية بلادهم، في حين أن الهدف الرسمي لوجودها هو فقط دعم حكومة قرضاي. ويفقد هذا الوجود العسكري أكثر فأكثر مساندة المواطنين لأنه مسؤول عن أخطاء مُمـيتة ضد السكان المـدنيين”.
رابعاً: انبرت الحركة على المثابرة على تحقيق أهدافها ومقاصدها بالانكباب على التعليم الشرعي والتدريب العسكري والزهد بالدنيا وزينتها إلا ما شرع الله وحلل, وأنشأت كما كانت وعلى الدوام جيلاً من المتعلمين والمتدربين والمتنورين, الذين لم يحيدوا عن مسارهم قيد انملة.
خامساً: الطبيعية الجبلية الشاهقة والوعرة التي تمركز فيها طالبان, مما أعاق استمرار الأعمالالعسكرية من قبل التحالف إن كان على الصعيد البري او الجوي, ولجوؤهم إلى الكهوف والمغاور, مما جعلهم بمنأى عن أنظار ونيران ومتابعة القوات الغازية.
سادساً: فإن حركة طالبان قد حصدت ما زرعت وجنت ثمار قراراتها الصائبة في الوقت المناسب, وحصنت نفسها بصدقها في توجهاتها وإعدادها ما استطاعت من قوة, ورابطت في الكهوف والمغاور, آخذةً بالأسباب وكانها كل شيء ومتكلين على رب الأسباب وكأن الأسباب لا شيء.
المصادر
Share this content:
2 comments