ديموقراطية الإسلام: الإيمان بالأقوى والغلبة للتقوى
ديموقراطية الإسلام : الإيمان بالأقوى والغلبة للتقوى
التوحيد؟
التوحيد هو أول دعائم الديموقراطية المنشودة في العالم, فعندما تجتمع المجتمعات على الإيمان بالله وحده وما دونه عبادٌ مخلوقون يطبقون شرعه, وأكرمهم عند الله أتقاهم, وسيد القوم خادمهم, والناس سواسية كأسنان المشط, ولا فضل لعربي على أعجمي ولا أبيض على أسود, تسود ثقافة الإيمان بالأقوى والغلبة للتقوى, فالأقوى هو الله والتقوى هي سيادة العدالة في المجتمعات بنور الله ووحيه, وتصبح الأرض المجتمعية خصبة للديموقراطية في ظل شرع الإسلام.
اختبار عمر
أمير المؤمنين, خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عمربن الخطاب قال على الملأ امام جمع من الناس وحوله المهاجرون والأنصار: أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمر، ما كنتم فاعلين؟ فسكتوا، فعاد مرتين، أو ثلاثا، قال بشير بن سعد: لو فعلت قومناك تقويم القدح، قال عمر: أنتم إذن أنتم.
لم يخف
هكذا رد أحد أصحاب النبي على خليفة المسلمين, ولم يخف هذا الرجل أن يحرمه أمير المؤمنين من مكسب أو منصب أو مصلحة, فهو يعلم جيداً أن الخليفة يُطَبِّق شرع الله عزَّ وجلّْ الذي لا يظلم ولا يجور, ويعلم جيداً أن في ظل حكم الإسلام وتطبيق سُنَنِ رسول الله لن يستطيع أحد ولو كان السلطان نفسه أن يظلمه أو يحرمه من حقٍ من حقوقه, لذلك تجرأ وقام و وَجَّه الكلام للأمير ولم يخف في الله لومة لائم.
” كل الناس أفقه من عمر “
كان يوما سيدنا عمر على المنبر فقال:”….فلا أعرفن ما زاد رجل فى صداق امرأة على أربع مائة درهم، ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا فى مهر النساء على أربع مائة درهم؟ قال: نعم، فقالت: أما سمعت ما أنزل الله فى القرآن؟ قال: وأى ذلك؟ فقالت: أما سمعت الله يقول «وآتيتم إحداهن قنطاراً» الآية؟ قال: فقال:اللهم غفراً، كل الناس أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر، فقال: أيها الناس إنى كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء فى صدقاتهن على أربع مائة درهم، فمن شاء أن يعطى من ماله ما أحب ـ قال أبو يعلى: وأظنه قال: فمن طابت نفسه فليفعل.
الإسلام مهد الديموقراطية
إذاً فالعدل الرباني والشريعة الإلهية أمَّنَت الديموقراطية وحرية الرأي و التعبير و الكلام ضمن حدود الادب والأخلاق منذ أكثر من 1400سنة, أما في أيامنا هذه فالديموقراطية وحرية التعبير ليستا إلا وسيلة يستعملها من أتقن تزييف الرأي العام وتَفَنَّنَ في خداع الناس لتجيير إرادتهم في خدمة مصالحه وأهوائه وخطه السياسي, وللعبور بالناس إلى حيث تكمن مقاصده و أهدافه, غير آبه بما سيلحق بالمجتمع من أذىً وأضرار فادحة.
الأخرس
الساكت عن الحق شيطان أخرس, والمزيد من الخرسان سيؤدي حتماً إلى المزيد من الطغيان, و سيد القوم خادمهم وليس المتحكم بهم وبمصائرهم, ولايجوزإعطاء الحاكم أو المدير أو النائب أو الوزير أو الزعيم حجماً أكبر مما يمثله فعلياً و واقعياً, ففي الواقع الفعلي والحقيقي صاحب المنصب هو مُكَلَّف و “مسؤول” بما تحمل الكلمة من معنى, أي أنه موضع مُسَآلة عن المهمة التي كُلِّف بها أو التي تصدر لها وترشح من أجلها, ولو علم الكثيرون من أصحاب المناصب أنهم أكثر وأشد الناس حساباً يوم القيامة لرفضوا تبوأ المناصب أو لكانوا اتقوا الله بما يحملون من مسؤولية.
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر عندما طلب المسؤولية:
يا رسولَ اللهِ ألا تستعملْني أي في منصبٍ قال : فضرب بيدِه على منكبي ثم قال : يا أبا ذرٍّ إنك ضعيفٌ و إنها أمانةٌ و إنها يومَ القيامةِ خزيٌّ و ندامةٌ إلا من أخذها بحقِّها و أدَّى الذي عليه فيها.
ينسى نفسه
في أيامنا هذه عندما يرتقي الإنسان ويعلو منصبهم, يعتقد أنه أصبح خارج دائرة المحاسبة والمُسآلة ويشعر وكانه أصبح مالكاً لما يُفترض ان يكون خادماً له, ويبدأ بالتصرف وكانه نوعٌ آخر من البشر, جنس مميز من الناس, عليك أن تتعامل معه بعد قرأة الدليل الخاص باستعماله(catalogue) وإياك ثم إياك ان تقابل مسؤولاً دون ان تتلقى دورة تدريبية في التعامل معه, وعليك اقتناص الفرص المناسبة حتى تتكلم معه.
إِنَّ النَّاس جميعاً في نظر الإِسلام سواسيةٌ، الحاكم والمحكوم، الرِّجال والنساء، العرب والعجم، الأبيض والأسود، فلقد ألغى الإِسلام الفوارق بين النَّاس بسبب الجنس، واللَّون، أو النَّسب، أو الطَّبقة، والحكام والمحكومون كلُّهم في نظر الشَّرع سواءٌ.
إقرأ أيضاً: الدين يدخل على السياسة: كذبة كبيرة!
طموح بلا جموح
عقيدتنا نحن المسلمين تُحتِّم علينا الإستعانة بالله وحده في كل أمر ومسألة, وخصوصاً في الامور التي تتعلق بالأرزاق, فالرزق مقدر ولكل إنسان ما كتبه الله له من الرزق والمنفعة, طبعاً هذا الكلام لا يعني قتل الطموح وتثبيط الهمم وتجميد العزائم, فأمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان ينهر الذين يقعدون ولا يعملون ويقولون ان الرزق على الله, فالرزق عليه تعالى وحده لا شريك له ولكن علينا أن نسعى ونعمل ونجهد ونعرق للحصول عليه, فالله قدره لنا ويسره لنا على أن نعمل ونسعى للوصول إليه.
النصر المحتم
فكما قدر الله النصر لبني إسرائيل قبل أن يدخلوا بيت المقدس شرط أن يتقدموا لنيله, فأمرهم سبحانه وتعالى على لسان نبيه موسى أن يسعوا لنيل النصر أي أن يتقدموا باتجاه بيت المقدس ويأخذوا خطوات واثقة بنِيَّة صادقة وعزيمة مؤمنة وسينصرهم, بل أكد الله لهم أنهم منصورون بإذنه ولكن عليهم التقدم والسعي لنيل هذا النصر, فأبى بني إسرائيل التقدم والأخذ بأسباب النصر وطاعة الخالق, فحرمهم الله ذلك النصر المُقَدَّر والمؤكد.
العمل والأمل
الهدف من هذه العقيدة هو القناعة والرضى الكاملين بأنه لا يرزق ولا يفيد ولا يُعطي ولا يُغيث إلا الله الرحمن المغيث, ولا يُغيِّر ولا يُحوِّل ولا يُبَدِّل إلا هو الذي لا حول ولا قوة إلا به, ولا يتحسن وضع الإنسان المادي والمعيشي والوظيفي إلا بتقديرٍ من الله وحده لا شريك له, وعلى الإنسان أن يسعى ويُخطط ويعمل ويطمح و يحلم لكن التوفيق في المحصلة النهائية على رب العالمين وحده لا شريك, فلا تجعلوا لله شركاء وأنداد وأنتم تعلمون أو لا تعلمون.
المصادر