مذكرات طفل-2-
للطفل الصغير مذكرات يكتبها الطفل الكبير
حين تذهب إلى المدرسة وخصوصاً في الأعوام الأولى, ترافقك غصة خاصةً في أول يوم, لكنك تعود بعد الإنتهاء من الدوام,بفرحة العتق من النار, تنزل من الباص وتركض جرياً باتجاه البيت, مواعداً من تراه من الصبية بالخروج بعد تناول طعام الغداء بالإشارة والإيماء ولغة العيون, المهم الآن أن تدخل إلى البيت, حضن الأمان والإطمئنان وتحتضن المكان والأشخاص, تجد طعامك جاهزاً على الطاولة, وأُمَّاً مفعمة بالحنان والإشتياق بانتظارك لتطعمك بيديها, وأنت تأكل طعاماً مُعَداً من اكسير الحياة, خلطة من الرعاية والتربية والحضانة والإهتمام ونظرات الأم المسرورة الفخورة بولدها وقد بدأ رحلة الدراسة في سنته الأولى ولو بقلم الرصاص وأقلام التلوين الخشبية والأغاني والأشعار والرسومات المبهمة.
تأكل الطعام بنهم وأنت تحدث أمك عن يومك المدرسي منتقياً منه ما يسرها ويفرح قلبها وما تثبت لوالدتك بأنك تلميذ نجيب وفتى شجاع, محبوب من معلماته, قائد بين رفاقه متفوقاً على أقرانه سابقاً ابن الجيران ومتميزاً على ابن فلانة ومتقدماً على بنت علانة.
المجتمع الأول
إنها أولى الأشكال الإجتماعية التي تتعرف عليها بعد ثديي الأم وحضنها ويدا الأب ورعايته وبيئة الإخوة الذين يكبرونك في المنزل, انطلاقاً من الشرفة إلى الحي ودكانه ومرورا بالجيران والصبية والأقران, وصولاً المدرسة وباصها وطريق المدرسة وزملاء مقاعد الدراسة الأولى, ولا ننسى بيت الجد والجدة وبيئة الأقارب والأصحاب.
إقرأ أيضاً مذكرات طفل-1-
تجد نفسك بينهم تبحث عن ذاتك ولو كنت لم تتجاوز سنواتك الأربعة أو الخمسة, تبحث عن مفاهيم وحقائق لن ترتاح إلا إذا وجدت الإجابات عليها, فإما يساعدك محيطك وخاصة الأهل والمدرسة على إيجاد تلك الإجابات بسرعة وبشفافية وبصدق وتصديق وإما أن تُترك لنفسك تبحث عن نفسك.
تساؤلات تنعكس تشوشاً
تلك التساؤلات وإن لم تسألها جهارا وتطرحها على محيطك, فإن وجدانك الصغير يسألها بشكلٍ غير مباشر وغير واضح وغير مفهوم, أي أنه من الممكن أن تنعكس هذه التساؤلات تشوشاً أو حزناً, انعزالا ً و علاقات سيئة بالمحيط, أو تصرفات مضطربة وغير مفهومة ومبهمة لمن حولك, وهنا يبدأ الصراع النفسي الأول في مرحلة مبكرة جداً خاصةً إن لم تجد من الإجابات ما يشفي فضولك وحاجتك الملحة للتعرف على حقائق ما يجري من حولك.
إسأله قبل أن يسألك
” وهنا بأتي دور الأهل, لا يجب أن ينتظر الأهل تساؤلات أبنائهم, أو أن يطلبوا منهم أن يتساءلوا, بل على الاهل أن يكونوا مراقبين دائمين للأولاد بدقة ومهارة وعين مهتمة وخبيرة, تراقب حال الطفل وطريقة تفاعله مع الأشخاص والأشياء والأحداث, وأن يبادر الأهل بطرح الأسئلة وفتح المحادثة مع الطفل لمسك طرف خيط يفتح للطفل باب التساؤلات لإعطائه الإجابة الشافية, بطريقة أخرى فإن حياة الطفل النفسية تكون كمجرى المياه المسدود, لا يرشح منه إلا ماء قليل وعكر, وعلى الأهل تنظيف هذا المجرى وفتحه ليتدفق منه الماء الصافي العذب.”
حتى بلوغي سنواتي السبع كنت متعطشاً للحصول على كثير من الإجابات ومعرفة حقائق الأمور المبهمة والمعقدة التي كانت تدور من حولي وتنعكس اضطراباً في وجداني, لم أجد أياً من الإجابات الشافية, كنت أشعر بضياع كبير وخوف مريع وعواصف عاتية تدور من حولي بل كنت في قلبها, كنت كالذي ينتظر فرجاً ما مستحيل التحقق.
أين الباب؟
كنت أنتظر مخرجاً ما لا أرى بابه, كنت أشعر وكانني سجين معتقل, أسير يعيش في غير عالمه, عليه إرضاء سجانيه ليهنئ بلحظات عيشه ويحصل على متطلباته واحتياجاته التي لم تكن تهمني كثيراً بقدر ما كان يهمني أن أخرج من هذا السجن.
المصادر