ميدان التقسيم محجة السائحين
ميدان التقسيم محجة السائحين
لم يكن هذا الميدان وشارعه الطويل يستهويني, منذ أن وطأت قدماي اسطمبول لأول مرة عام 1994, ونزلت في أحد فنادقها, بالقرب من القنصلية البريطانية, أي في الشوارع الداخلية الضيقة المتفرعة من ميدان التقسيم وشارع الإستقلال, لم أجد فيها ضالتي, شارع قديم مكتظ يخترقه ترامواي قديم, ميدان كبير له رمزيته التاريخية والجغرافية, مبان قديمة فيها رائحة التاريخ وعبق الماضي وتذوق الامجاد الضائعة والعودة إلى الماضي بضع مئات من السنين, كنت وقتها ( 1994 ) شابا مطلع العشرين من عمري برفقة أخي الصغير كان مقصدنا استكشاف اسلامبول الفاتح لا إسطمبول الحالية, لذلك حملنا معنا خريطة ورقية وكتيب دليل للأماكن التاريخية والأثرية والسياحية في زمن لم يكن متوفر فيه لا أجهزة اتصال محمولة ولا وسائل تواصل واتصالات خلوية ولا شبكة عنكبوتية ولا انترنت ولا فايس بوك ولا واتس اب ولا GPS من يحزنون.
كان دليلنا الخريطة الورقية والكتيب الدليل, وطريقة تواصل مباشرة مع الأتراك كانت تعتمد في كثير من الاحيان على المصطلحات وأسماء الاماكن التي كنا ننطقها بطريقة لا يفهمها التركي لكن حس التعاون والمبادرة وحب المساعدة الذي لمسناه لدى الكثيرين من الذين قابلناهم جعلنا نستدل ونتعرف على الأترك اكثر وأكثر وكنا نصل إلى ما نصبو إليه بمتعة التواصل مع شعب لا يتكلم حينها ( 1994 ) إلا لغته, لكن لغة التعاون والتواصل والمساعدة كانت الطاغية على لغة اللسان, فكان تواصلا ممتعا مفيداً مجدياً تتفاعل في الأرواح والقيم والعقول وحركات الأيدي وتعابير الوجوه ولغة العيون.
منطقة التقسيم منطقة يختلط فيها كل شيئ, تهافت الناس عليها بات يشعرني بالإشمئزاز, الكثير ممن يقصدونها يتعمدون الإستعراض وإرتداء ما يلفت النظر, تشعر أن بعض الناس تأتي لتستعرض مفاتنها أو تعرض شواذها الخَلقي والخُلُقي, ترى الكثير من ال” مصاريع ” يمشون متباهين بصرعاتهم وشواذهم, لم أعد أستطيع اعتبار التقسيم مكان عائلي آمن, مع أن الكثير من العائلات تقصده وهدفها السياحة والتبضع والإستمتاع, إلا أن ما تجده لا يعدو عن كونه استعراضا مقززا للتفلت والشواذ.
إقرأ أيضاً لبنان في ظل الإنتداب الفرنسي
إلا أن شيئا واحداً يلفتك دائماً في هذا البلد, إتقان العمل والإصرار والتفنن في ابتكار مختلف طرق طلب العيش والعمل الشريف بحيث يجعل أهل البلد من مجهودهم وعرقهم اقتصاداً حياً نابضاً مفعماً بالعفة والمثابرة والإجتهاد والتطور والإكتفاء الذاتي, بحيث أصبحت تركيا دولة وشعباً رقماً صعباً بين الدول والشعوب والأمم.