النفس البشرية والعوالم الخفية: النفس ثلاث
التعرف على خفايا النفس طريقك لحياة نفسية صحية
النفس البشرية عالم بل عوالم خاصة وخفية, شرع العلماء على مر الزمن الغوص في أعماقها وسبر أغوارها واكتشاف خبايها, وخصصت الكتب السماوية حيزا مهما للكلام عن نفس الإنسان وخصوصاً القرآن الكريم الذي ذكر النفس بجوانبها المتضادة:” ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها” سورة الشمس الآيات 7-10.
فرويد القرآن الكريم
وبحسب سيغموند فرويد فإن النفس البشرية أي شخصية الإنسان مكونة من ثلاثة أنظمة هي الهو، والأنا، والأنا الأعلى، وأن الشخصية هي محصلة التفاعل بين هذه الأنظمة الثلاثة.
الهو أو النفس المشتهية أو كما أسماه االقرآن الكريم القرين؛ يقصد به طبيعتنا الأساسية التي لم يهذبها التعلم أو الحضارة, وتعتمد على الغرائز الحيوانية لدى الإنسان، والتي تشكل رغبتنا الجامحة وهي تتطلب الإشباع فوريا دون الاعتبار لقواعد أو معايير. والنبي محمد صلى الله عليه وسلم قال:” ما منكُم من أحدٍ إلَّا وقد وُكِّلَ بهِ قرينُهُ منَ الجنِّ . قالوا : وإيَّاكَ يا رسولَ اللَّهِ ؟ قال : وإيَّايَ إلَّا أنَّ اللَّهَ أعانَني علَيهِ فأسلَمَ فلا يأمرُني إلَّا بخيرٍ . غيرَ أنَّ في حديثِ سفيانَ . وقد وُكِّلَ بهِ قرينُهُ منَ الجنِّ ، وقرينُهُ منَ الملائكةِ”.
الأنا كما وصفه فرويد هو شخصية المرء في أكثر حالاتها اعتدالًا بين الهو الغرائزية والحضارة والسمو ، وتربطها بقيم المجتمع وقواعده، ومن الممكن للأنا أن يقوم بإشباع بعض الغرائز التي يطلبها الهو ولكن في صورة متحضرة يتقبلها المجتمع ولا يرفضها الأنا الأعلى.
الأنا الأعلى هو الضمير المترفع المتعفف وهو كناية عن الروح السامية للنفس البشرية الراغبة بالعفة والتجرد من المادية والإستغناء عن الحاجات الغرائزية والتمتع بالتضحية والإيثار والمساعدة ونشر الخير, والنبي محمد صلى الله عليه وسلم قال :” ما منْكم من أحدٍ إلَّا وقد وُكِّلَ بِهِ قرينُهُ منَ الملائِكةِ وقرينُهُ منَ الجنِّ”. والأنا العليا ليست إلا قرين المالئكة المذكور في الحديث.
صراع النفس الداخلي
النفس الإنسانية هي مزيج للأنا والهو والأنا الأعلى, لا تقوم إلى بالتوافق بين الهو والأنا العليا ليولد الأنا أي شخصية الإنسان الحقيقية, فلا يمكن للإنسان ان يعيش دون غريزة الطعام والجنس مثلاً فالهو يطلبها بإلحاح إلا أن الأنا العليا ترفض أن تُمارس الغرائز دون ضوابط على الشكل الذي يرغب به الهو, فيقوم الانا بإشباع غرائز الهو ولكن بتقييدها بضوابط الدين والاخلاق والحضارة وآداب المجتمع والأعراف, حتى يرضى الانا الأعلى أي ضمير النفس البشرية.
إقرأ أيضاً الإكتئاب والإيمان
صورة من القرآن الكريم
في القرآن الكريم صورة من أجمل الصور التي تجسد صراع النفس البشرية بين القرين ” الهو ” بحسب فرويد وبين شخصية الإنسان ” الأنا ” وبين” الأنا العليا” وهي نعمة الله وصوت الضمير وهو الذي ذكره الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بقرين من الملائكة:
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ َقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ
” نعمة ربي ” في الآية هي الأنا العليا التي اهتدى بها الإنسان ” الأنا ” ليتخلص من وسوسات القرين ” الهو ” وينجو من الجحيم. لقد سبق القرآن الكريم واحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم فرويد بتشخيص النفس البشرية ووسائل تهذيبها وسبل راحتها وطرق نجاتها في الدنيا والآخرة.
أين تكمن الراحة النفسية؟
إن الراحة النفسية تكمن في ضبط ” الهو ” بإنقاذه من اتباع الهوى, ووعي الأنا بالإرادة والقناعة والتصميم والوعي, وبتحري الانا الاعلى المنابع التي يستقي منها إلهامه وثقافته وخبرته. والله سبحانه وتعالى اختصر لنا العلاج بكلمات محكمات:” قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها” وبسورة قصيرة تشمل منهاج حياة وخريطة طريق وسبيل نجاة:” والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر”. الصبر مفتاح الفرج والحق أحق أن يُتبع والعمل الصالح منجاة للجميع والإيمان نبع يستقي منه الإنسان الخير.
المصادر
2- الدرر السنية
3- ويكيبيديا
4- موضوع
اترك تعليقك :-)
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.
تعليق
من ملك هواه ملك ومن ملكه هواه هلك
احسنتي النشر. بس لو كان مع التشكيل كي لا يشكل على الناس 🙂