مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير
د. فراس سعد الدين
الأكاديمية العربية الدولية

المقدمة
يُعتبر مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير أحد المبادئ الجوهرية في القانون الدولي العام، وقد ارتبط ظهوره بالتحولات التاريخية الكبرى التي شهدها العالم خلال القرن العشرين، خصوصًا فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحركات التحرر الوطني. ويُصنَّف هذا المبدأ ضمن القواعد الآمرة (Jus Cogens)، أي تلك القواعد التي لا يجوز مخالفتها ولا يمكن التنازل عنها.
الأساس القانوني للمبدأ
يستند هذا المبدأ إلى العديد من النصوص القانونية الدولية، من أبرزها:
- ميثاق الأمم المتحدة (1945): نصت المادة (1/2) على “إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس المساواة في الحقوق بين الشعوب، وحقها في تقرير مصيرها”.
- العهدان الدوليان (1966): حيث أكدت المادة الأولى من كل من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، على حق جميع الشعوب في تقرير مصيرها.
- إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة (قرار الجمعية العامة 1514 لسنة 1960): يُعد حجر الأساس في عملية تصفية الاستعمار، إذ اعتبر أن إخضاع الشعوب للاستعمار يشكل إنكارًا لحقوق الإنسان الأساسية.
- إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلق بالعلاقات الودية بين الدول (قرار الجمعية العامة 2625 لسنة 1970): وضح العلاقة بين حق تقرير المصير ومبدأ وحدة أراضي الدول.
أبعاد المبدأ
- التقرير الخارجي: يتيح للشعوب الخاضعة للاستعمار أو الاحتلال الأجنبي أن تنال استقلالها وتُنشئ دولة ذات سيادة أو تختار الاتحاد مع دولة أخرى. وقد شكّل هذا البعد الإطار القانوني لمرحلة تصفية الاستعمار في إفريقيا وآسيا.
- التقرير الداخلي: يتمثل في تمكين الشعوب داخل الدول المستقلة من المشاركة الفعلية في الحياة السياسية، واختيار نظام الحكم بحرية، وضمان احترام حقوق الإنسان.
تطبيقات عملية
- تصفية الاستعمار: حصلت غالبية الدول الإفريقية والآسيوية على استقلالها استنادًا إلى هذا المبدأ.
- القضية الفلسطينية: يُعتبر من أبرز الأمثلة المعاصرة، حيث يطالب الشعب الفلسطيني بحق تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
- جنوب السودان: أجري استفتاء عام 2011 أفضى إلى استقلال الدولة الجديدة عن السودان.
التحديات والإشكاليات
رغم أهمية المبدأ، إلا أن تطبيقه يواجه عدة إشكاليات:
- التوفيق بينه وبين مبدأ وحدة وسلامة الأراضي: بينما يُعتبر حق تقرير المصير مشروعًا للشعوب المستعمَرة أو الخاضعة للاحتلال، فإن حركات الانفصال داخل الدول المستقلة تثير إشكالات قانونية وسياسية.
- الطابع الانتقائي للتطبيق: غالبًا ما يرتبط تطبيق المبدأ بالاعتبارات السياسية ومصالح القوى الكبرى، ما يؤدي إلى ازدواجية في المعايير.
- القوميات والأقليات: بروز مطالب بعض الأقليات القومية أو الدينية بالانفصال يضع المجتمع الدولي أمام معضلة في تحديد من يملك “صفة الشعب” الذي يحق له تقرير المصير.
الخاتمة
يُعد مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير حجر الزاوية في تطور النظام الدولي الحديث، فهو يعكس القيم الأساسية للحرية والمساواة والاستقلال. ورغم التحديات التي تعترض تطبيقه، فإنه لا يزال يشكل أحد أهم ركائز الشرعية الدولية. ويُنتظر من المجتمع الدولي تعزيز آليات تطبيق هذا المبدأ بما يوازن بين احترام حقوق الشعوب وحماية وحدة الدول واستقرارها.
المراجع
- محمد طلعت الغنيمي، القانون الدولي العام، دار النهضة العربية، القاهرة، 1992.
- محمد المجذوب، القانون الدولي العام، الطبعة الرابعة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2005.
- Brownlie, Ian, Principles of Public International Law, 7th Edition, Oxford University Press, 2008.
- Cassese, Antonio, Self-Determination of Peoples: A Legal Reappraisal, Cambridge University Press, 1995.
