التنشئة الإجتماعية: المفهوم، الأهداف، والعوامل المؤثرة
المقدمة:
تعتبر عملية التنشئة الإجتماعية من أولى العمليات ومن أخطرها شأناً في حياة الفرد. وذلك لأنها تمثل الدعامة الأولى التي ترتكز عليها مقومات شخصيته، حيث يمر الفرد منذ ولادته بمراحل عدة من خلالها يدخل في علاقة تفاعل مع المجتمع الذي يعيش فيه متأثرًا بالمعايير والقيم السائدة ويكتسب خبرات تعدل من سلوكه وتنمي شخصيته، لأداء دوره كفرد فاعل في المجتمع.
وتعد التنشئة الإجتماعية من العمليات الأساسية فى حياة الإنسان. وتكمن أهميتها فى أنها تقوم بتحويل الفرد من مخلوق ضعيف عاجز إلى شخصية قادرة على التفاعل فى المحيط الإجتماعى الذي يحتويه كما تساعد الفرد على الانتقال من الإتكالية المطلقة والاعتماد على الأخرين إلى الاستقلالية والاعتماد على النفس عبر المراحل الارتقائية من عمره.
ما هي التنشئة الإجتماعية؟
ما هي التنشئة الإجتماعية؟ إنها العملية المستمرة التي يتعلم من خلالها الفرد الأعراف والقيم والأيديولوجيات والمهارات اللازمة ليصبح عضوًا فاعلًا في مجتمعه. هي ليست مجرد تعليم مباشر، بل هي عملية تشكيل عميقة للهوية والسلوك من خلال التفاعل مع مختلف المؤسسات الإجتماعية. بناء على ذلك، يمكن اعتبارها الجسر الذي يربط الفرد بعالمه الثقافي، حيث يتم تحويل كائن بيولوجي إلى إنسان اجتماعي قادر على فهم واستخدام الرموز والمعايير التي تحكم التواصل الاجتماعي.
خصائص التنشئة الإجتماعية:
التنشئة الإجتماعية هي العملية التي يتم من خلالها دمج الفرد في المجتمع ودمج ثقافة المجتمع في الفرد، وتتصف عملية التنشئة الإجتماعية بخاصية الديمومة والإستمرارية، إذ ترافق الفرد في مختلف مراحل حياته.
- تُعتبر من أهم طرق نقل ثقافة المجتمع من جيل إلى جيل والمحافظة عليها.
- عملية تحقق للفرد بعده الاجتماعي.
- تُساهم التنشئة الإجتماعية في تحويل الأعراف الإجتماعية إلى قواعد اجتماعية مُلزمة للفرد.
- هي عملية لا يقتصر القيام بها على الأسرة فقط، لكن لها وكلاء كثيرون مثل الأسرة والمدرسة وجماعة الرفاق والمؤسسات الدينية ووسائل الإعلام المختلفة.
- هي عملية نفسية واجتماعية في آن واحد.
- هي عملية مستمرة لا تقتصر فقط على الطفولة ولكنها تستمر خلال مراحل العمر المختلفة.
- تُزيل التنشئة الإجتماعية الصفات الخفية للطفل، وتنميه عقلياً وجسدياً واجتماعياً.
أهداف التنشئة الإجتماعية:
تساهم عملية التنشئة الإجتماعية في التوفيق بين دوافع الفرد ورغباته، ومطالب واهتمامات الآخرين المحيطين به، وبذلك تحول الفرد من طفل متمركز حول ذاته ومعتمد على غيره، هدفه إشباع حاجاته الأولية، إلى فرد ناضج يتحمل المسؤولية الإجتماعية ويدركها ويلتزم بالقيم والمعايير الإجتماعية السائدة، فيضبط انفعالاته ويتحكم في إشباع حاجاته وينشيء علاقات إجتماعية سليمة مع غيره.
- ان التنشئة الإجتماعية تعمل على تحويل الطفل من طفل يعتمد على الاخرين الى فرد يعتمد على نفسه ويدرك معنى المسؤولية.
- إكساب الفرد مبادئ واتجاهات المجتمع الذي يعيش فيه حتى يؤدي واجباته.
- تحقيق النضج النفسي.
- ضبط السلوك الداخلي للفرد والمتمثل بالضمير، وتوجيهه بطريقة ايجابية ليطلق عليه بمصطلح الضمير الحي.
- تحقيق النضج النفسي والامن الصحي في الجوانب المعرفية والانفعالية.
- تعليم الطفل العقيدة والأداب الإجتماعية والاخلاق، لتحديد اتجاهاته في المجتمع.
- تحقيق النضج النفسي للفرد.
مراحل التنشئة الإجتماعية
تمر مراحل التنشئة الإجتماعية بعدة محطات رئيسية طوال حياة الفرد، وهي ليست منفصلة تمامًا بل متداخلة:
- التنشئة الأولية (Primary Socialization): تحدث في مرحلة الطفولة المبكرة داخل الأسرة. هنا، يتعلم الطفل اللغة، المعايير الأساسية، والقيم الأولية التي تشكل أساس شخصيته. هذه المرحلة حاسمة لأن ما يتعلمه الطفل فيها يكون من الصعب تغييره لاحقًا.
- التنشئة الثانوية (Secondary Socialization): تبدأ عندما يدخل الطفل مؤسسات خارج الأسرة، كالمدرسة ومجموعات الأقران. يتعلم الفرد كيف يتصرف كجزء من مجموعة أكبر، ويتعرض لأعراف وقيم جديدة قد تختلف عن تلك التي تعلمها في المنزل.
- التنشئة التوقعية (Anticipatory Socialization): تشير إلى عملية التحضير لأدوار اجتماعية مستقبلية، مثل التدريب على مهنة معينة أو التحضير لدور الزوج أو الزوجة.
- إعادة التنشئة (Resocialization): هي عملية التخلي عن أنماط سلوكية سابقة وتبني أنماط جديدة، وغالبًا ما تحدث في بيئات مغلقة مثل السجون أو عند الانتقال إلى ثقافة مختلفة تمامًا.
أساليب التنشئة الإجتماعية
تتنوع اساليب التنشئة الإجتماعية التي تستخدمها الأسر والمؤسسات، ولكل أسلوب تأثير مختلف على شخصية الفرد:
- الأسلوب السلطوي (Authoritarian Style): يركز على الطاعة العمياء والقواعد الصارمة مع القليل من النقاش. قد ينتج عنه أفراد منضبطون، ولكنه قد يحد من قدرتهم على التفكير المستقل.
- الأسلوب المتساهل (Permissive Style): يعطي الطفل حرية كبيرة مع القليل من القواعد أو التوجيه. قد يعزز هذا الأسلوب الإبداع، لكنه قد يؤدي أيضًا إلى صعوبات في ضبط النفس واحترام الحدود.
- الأسلوب الديمقراطي أو الحازم (Authoritative Style): يجمع بين وضع قواعد وحدود واضحة وبين التواصل المفتوح والاستماع لآراء الطفل. يعتبر هذا الأسلوب الأكثر فعالية في تنشئة أفراد يتمتعون بالكفاءة الإجتماعية والصحة النفسية.
- الأسلوب المهمل (Neglectful Style): يغيب فيه الدفء العاطفي والرقابة، مما يؤدي غالبًا إلى نتائج سلبية على النمو النفسي والاجتماعي للطفل.
دور الأسرة في التنشئة الإجتماعية
يُجمع علماء الاجتماع على أن دور الأسرة في التنشئة الإجتماعية هو الدور الأكثر أهمية وتأثيرًا، خاصة في السنوات الأولى من حياة الطفل. فالأسرة هي المؤسسة الأولى التي تقدم للطفل هويته الإجتماعية (مثل الطبقة الإجتماعية، العرق، الدين)، وتعلمه المهارات الأساسية للتفاعل الاجتماعي. كما أن جودة العلاقة بين الوالدين، وأساليب التربية المتبعة، والبيئة العاطفية داخل المنزل، كلها عوامل تشكل حجر الأساس في بناء شخصية الطفل وثقته بنفسه ونظرته للعالم، مما يؤثر على التنشئة الإجتماعية للطفل بشكل مباشر.

التنشئة الإجتماعية داخل الأسرة
العوامل المؤثرة في التنشئة الإجتماعية:
تتأثر التنشئة الإجتماعية بعدد كبير من العوامل من البيئة المحيطة، وهذه العوامل تساهم بشكل كبير في عملية التنشئة الإجتماعية، والتي يصعب إبعادها أو تفاديها، من أهم هذه العوامل:
عوامل داخلية:
- الأسرة: حيث تتحول الأسرة من خلال الزواج ومن ثم الانجاب إلى أهم عناصر التنشئة الإجتماعية للطفل، بل ومن أهم المؤسسات؛ وذلك لأن شخصية الفرد تتكون في هذه المؤسسة، وتسهم في بناء أفراد أسوياء أقوياء، ويظهر ذلك من خلال السلوك السوي الذي ينتهجونه، والدور الإيجابي لهم في الحياة.
- نوع العلاقات الاسرية: تؤثر العلاقات الأسرية في عملية التنشئة الإجتماعية حيث أن السعادة الزوجية تؤدي إلى تماسك الأسرة. مما يخلق جواً يساعد على نمو الطفل بطريقة سليمة ومتكاملة. كما تؤثر من خلال مدى إدراك الأسرة لحاجات الطفل وكيفية اشباعها والأساليب التربوية المناسبة للتعامل مع الطفل.
- الوضع الإقتصادي للأسرة: أكدت الدراسات أن هناك ارتباطاً بين الوضع الاقتصادي للطفل وبين الفرص التي تقدم لنموه.
- نوع الطفل (ذكر أو أنثى): حيث إن أدوار الذكر تختلف عن أدوار الأنثى. والطفل الذكر ينمى في داخله المسؤولية والقيادة والاعتماد على النفس، في حين أن الأنثى في مجتمعاتنا الشرقية، غالباً، لا تنمى فيها هذه الأدوار.
عوامل خارجية:
- المدرسة: تلعب المدرسة دوراً مكملاً لدور الأسرة حيث تعمل على الرعاية النفسية للطفل. وذلك بإدماجه مع زملاءه من خلال مشاركته في أنشطة عديدة من قراءة ورياضة… ومن الناحية الاخلاقية حيث تعمل على تحسين سلوك الطفل وزرع فيه صفات الإحترام والصدق والتعاون مع الآخرين و من الناحية العلمية والتربوية على تنمية قدراته الفكرية وإكسابه خبرات.
- الدين: ان الدين له أثره الواضح على النمو النفسي والصحة النفسية ، والعقيدة حيث تتغلغل في النفس تدفعها إلى سلوك إيجابي ، والدين يساعد الفرد على الإستقرار والإيمان وينير الطريق أمام الفرد من طفولته عبر مراهقته إلى رشده ثم شيخوخته.
- الأصدقاء: يُساهم الأصدقاء في بناء روابط شخصية بينهم، حيث يتعلمون من بعضهم البعض. يؤدي اللعب مع الأصدقاء إلى تعلم مبادلة الأدوار. وتؤيد الصداقة في مرحلة المراهقة إلى توجيه الاهتمامات الشباب إلى الموضى والموسيقى والمخدرات والتكنولوجيا.
- وسائل الاعلام: تؤثر وسائل الإعلام المختلفة من إذاعة وتلفزيون… بما تنشره وما تقدمه من معلومات وحقائق وأخبار ووقائع وأفكار وآراء لتحيط بالناس علماً بموضوعات معينة.
- التقليد: وهو نسخ الأفعال الصادرة عن الأفراد المحيطة بالشخص، وبالتالي اكتساب السلوكيات منهم، وقد يكون التقليد واعياً أو غير واع، أو عفوي أو متعمد، أو إدراكي أو فكري.
- ثقافة المجتمع: لكل مجتمع ثقافته الخاصة المميزة له والتي تكون لها صلة وثيقة بشخصيات من يحتضنه من الأفراد ، لذلك فثقافة المجتمع تؤثر بشكل أساسي في التنشئة ، وفي صنع الشخصية للفرد.
- الوضع السياسي والاقتصادي للمجتمع: حيث أنه كلما كان المجتمع أكثر هدوء واستقرار ، ولديه الكفاية الإقتصادية كلما ساهم ذلك بشكل إيجابي في التنشئة الإجتماعية ، وكلما سادت به الفوضى وعدم الإستقرار السياسي والإقتصادي كان العكس هو الصحيح.
دور المدرسة والإعلام في التنشئة
بجانب الأسرة، تلعب المدرسة والإعلام أدوارًا محورية. المدرسة ليست مجرد مكان لنقل المعرفة الأكاديمية، بل هي بيئة اجتماعية مصغرة يتعلم فيها الأطفال كيفية التفاعل مع الأقران والسلطة، واكتساب قيم مثل الانضباط والمشاركة المجتمعية. أما وسائل الإعلام، بشتى أنواعها، فقد أصبحت وكيل تنشئة قويًا، حيث تقدم نماذج سلوكية وقيمًا يمكن أن تدعم أو تتعارض مع ما يتعلمه الفرد في الأسرة والمدرسة.
التحديات الحديثة التي تواجه التنشئة
في العصر الرقمي، تواجه عملية التنشئة تحديات غير مسبوقة. من أبرزها:
- هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي: التي تقدم نماذج سلوكية ومعايير جمالية غير واقعية، وتؤثر على تقدير الذات والصحة النفسية للشباب.
- الفجوة الرقمية بين الأجيال: حيث قد يفتقر الآباء إلى المعرفة الكافية لمراقبة وتوجيه أبنائهم في الفضاء الرقمي بفعالية.
- التنمر الإلكتروني (Cyberbullying): الذي ينقل الإساءة من الفناء المدرسي إلى الفضاء الافتراضي، مما يجعل من الصعب الهروب منه.
- تآكل دور السلطة التقليدية: لم تعد الأسرة والمدرسة المصدرين الوحيدين للمعلومات، مما يتحدى سلطتهما التقليدية في توجيه الأفراد.
هل تسعى لفهم أعمق لديناميكيات المجتمع؟
إن فهم عملية التنشئة الإجتماعية هو مفتاح تحليل العديد من الظواهر الإجتماعية. استكشف وظائف علم الاجتماع المتنوعة وبرامجنا الأكاديمية المتقدمة مثل ماجستير علم الإجتماع لتعميق معرفتك.
ما هو تعريف التنشئة الاجتماعية؟
التنشئة الاجتماعية هي عملية التعلم مدى الحياة التي يكتسب من خلالها الفرد هويته الاجتماعية والمعايير والقيم والمعتقدات والمهارات اللازمة للمشاركة الفعالة ضمن مجتمعه. إنها العملية التي تحول الإنسان من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي.
ما هي تنشئتي الاجتماعية؟
تنشئتك الاجتماعية هي نتاج تفاعلك مع جميع العوامل والمؤسسات التي أثرت فيك منذ ولادتك. تشمل أسرتك، مدرستك، أصدقائك، ثقافتك، دينك، ووسائل الإعلام التي تعرضت لها. كل هذه العناصر مجتمعة شكلت شخصيتك وقيمك وطريقة تفاعلك مع العالم، وهذا ما يعنيه ما المقصود بعلم الاجتماع عند دراسة الفرد.
ما هي مصادر التنشئة الاجتماعية؟
المصادر أو الوكلاء الرئيسيون للتنشئة الاجتماعية هم: 1. **الأسرة:** وهي المصدر الأول والأهم. 2. **المدرسة:** حيث يتعلم الفرد القواعد الرسمية والتفاعل مع الأقران. 3. **جماعة الأقران (الأصدقاء):** وتلعب دورًا حاسمًا في تشكيل الهوية خلال المراهقة. 4. **وسائل الإعلام:** التي تنقل قيمًا وأنماطًا سلوكية متنوعة. 5. **المؤسسات الدينية والمجتمعية.**
ما هي التنشئة الاجتماعية في الإسلام؟
في الإسلام، التنشئة الاجتماعية عملية شاملة تهدف إلى تربية الفرد ليكون “مسلمًا صالحًا” و”عضوًا نافعًا” في المجتمع. تركز على غرس العقيدة والأخلاق الإسلامية (مثل الصدق والأمانة وبر الوالدين) والقيم الاجتماعية (مثل التكافل والتعاون). ويتم ذلك من خلال مؤسساتها الرئيسية كالأسرة، والمسجد، والمجتمع المسلم ككل، مع اعتبار أن كل سلوك يجب أن يتوافق مع تعاليم القرآن والسنة. هذا يتضمن فهمًا واضحًا لدوره في المجتمع وكيفية التعامل مع الآخرين وفقًا للضوابط الشرعية، وهذا جزء من تعريف التدخل الاجتماعي من منظور إسلامي.
خاتمة: كيف نعيد تشكيل التنشئة في ظل المتغيرات؟
في الختام، لم تعد عملية التنشئة الإجتماعية مجرد عملية نقل ثقافي بسيطة من جيل إلى آخر. بل أصبحت ساحة معقدة تتصارع فيها تأثيرات متعددة. السؤال الذي يطرح نفسه ليس ما إذا كانت التنشئة قد تغيرت، بل كيف يمكننا التكيف مع هذا التغيير؟ الإجابة تكمن في تعزيز التفكير النقدي لدى الأفراد لمواجهة سيل المعلومات، وتقوية الروابط الأسرية لتكون الملاذ الآمن، وتطوير دور المؤسسات التعليمية لتواكب التحديات الرقمية. إن إعادة تشكيل التنشئة اليوم هي مسؤولية جماعية تهدف إلى بناء شخصية قادرة على التوازن بين الأصالة والمعاصرة.
المراجع والمصادر
- Macionis, J. J., & Gerber, L. M. (2010). Sociology (7th Canadian ed.). Pearson Canada.
- “Types of Socialization”. Lumen Learning, Boundless Sociology. Accessed from: https://courses.lumenlearning.com/boundless-sociology/chapter/types-of-socialization/
- Baumrind, D. (1967). “Child care practices anteceding three patterns of preschool behavior”. Genetic Psychology Monographs, 75(1), 43-88.
- “Challenges of Socialization in the Digital Age”. Revise Sociology. Accessed from: https://revisesociology.com/2022/10/24/challenges-of-socialization-in-the-digital-age/