ساحة بين مسجدين
ساحة بين مسجدين
ساحة رائعة, بل ساحات خلابة وحدائق غنَّاء, ونوافير مياه وأشجار باسقات وورود فواحات, كيفما التفت فثمة تاريخ عظيم بين كنفاتها, في أرضها في أسوارها في حجارتها في نُصُبِها, في الشوارع القديمة والأزقة والحوانيت وكل ما جاور هذه الساحة صفحات من كتاب تاريخ عظيم صنعه أبناء هذا البلد الطيب, وتركوا فيه أثراً لا يُمحى.
تبدأ تلك الساحات بكاتدرائية آياصوفيا الكنيسة البيزنطية الرئيسية في القسطنطينية الفائتة و اسلامبول القادمة من حديث نبوي شريف. حولها السلطان محمد الفاتح إلى مسجد عند فتح القسطنطينية عام 1453 ,بالطرق القانونية والشرعية وبصكوك تاريخية. استمر مسجد آياصوفيا يصدح بالآذان حتى عام 1923 عندما قام مصطفى كمال أتاتورك مؤسس دولة تركيا الحديثة بتحويله إلى متحف ومنع فيه الآذان والصلاة, ومن ثم أعاده إلى سيرته الأولى الرئيس رجب طيب أردوغان عام 2020 بالطرق القانونية أيضاً المدعمة بوثائق تاريخية تُثبت أحقية الدولة التركية بالتصرف في آيا صوفيا.
في الطرف الآخر من الساحة يوجد مسجد السلطان أحمد أو كما يعرفه السواح بالمسجد الأزرق, لازال يصدح هذا المسجدبالآذان منذ تأسيسه واقتتاحه عام 1616 م, وتقام فيه الصلاة بشكل يومي ومنتظم, ويقصده السواح من جميع أنحاء العالم مسلمين ومسحيين ويهود لزيارته والتقاط الصور على مدار النهار وفي أوقات محددة إلا أوقات الصلاة يمنع دخول السواح, إلا انه بين السائح والمصلي يختلط الحابل بالنابل وتختلط الصلاة بالسياحة.
بين آيا صوفيا والمسجد الأزرق ساحات ونوافير مياه وحدائق زهور وورود وبسطات وعربات وأكشاك ومقاعد للجلوس والإستراحة ومسلة ضخمة: وهي مسلة مصرية قديمة، أحضرها من مصر إلى إسطنبول من قبل الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول في عام 390 بعد الميلاد، وحملها على السفن وتم تثبيتها في مكانها الحالي.
ساحة من ساحات التاريخ تدل على تغير الجغرافيا والديموغرافيا والأيدولوجيا بعزيمة الفاتحين, فتح الدعاة لا الغزاة.
إقرأ أيضاً ميدان التقسيم محجة السائحين
محمد الفاتح الذي اخترق أسوار القسطنطينية العصية ودخلها بجيش جرار وبتكتيك عسكري فريد من نوعه, أسقط عاصمة المشرق المسيحي عاصمة الدولة البيزنطية المتهالكة, وتمكن من تكليل فتحه بالعدل ومراعاة حقوق سكانها وحمايتهم من قسوة الجيوش الغازية, وأنشأ جامعة اسلامبول عام 1453 ميلادية.
فتح مبين
كان سقوط القسطنطينة فتحاً لا غزوا وإحياءاً لشعبها لا قتلاً وتنظيماً لحياتهم لا فوضى ومراعاةً لخصوصيتهم لا هتكاً لحرماتهم ومقدساتهم, سيما ان السلطان الفاتح ساعد على تنصيب بطرك لرعية القسطنطينية لإدارة شؤونهم الدينية الخاصة بعيد الفتح, بعد أن كانت الرعية متنافرة متدابرة, فعمل على جمع شمل المسيحيين ونظم شؤونهم وتعامل مع السكان كتعامل عمر ابن الخطاب مع سكان بيت المقدس, هكذا تكون الفتوحات, فتحاً لا غزواً واحتراماً لا احتقاراً, هكذا يتحقق نصر الله وفتحه ونبوءة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم برجال يخافون الله في البلاد والعباد والشجر والحجر ويصونون كرامات الناس واموالهم وأعراضهم واماكن عبادتهم.
المصادر
Share this content:
إرسال التعليق