القضيةالفلسطينية: حكاية أرض وشعب-3-
النكسة: الحقيقة واليأس
حقيقة ويأس
بعد هزيمة عام1967 وما سمي بالنكسة, والتي على الحقيقة لم تكن إلا زلزالاً هز العالم العربي والإسلامي, زلزال بحجم انهيار الجيوش العربية انهيارا دراماتيكياً امام الجيش الإسرائيلي واحتلال سيناء والجولان والضفة الغربية وغزة والقدس وغور الأردن, مساحات أضعاف ما كانت اسرائيل قد استوليت عليه عام 1948, وتموضعها بالقرب من ثلاث عواصم عربية, القاهرو ودمشق وعمان, بحيث شعر العرب بتهديد وجودي وكياني جعلهم أسرى للخوف من “الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر” وباتوا يتجرعون كأس الإستسلام والإنهزام بمرارة.
وجدت الدول العربية وخاصة الكبرى منها أن الحرب مع اسرائيل لا يمكن أن تستمر وإذا استمرت فستكون نتيجتها إحتلال كل الاراضي العربية وهذه المعادلة تجسدت وتبلورت وتمكنت من عقول الزعماء والشعوب نتيجة لما ولدته هزيمة 1967: إنكسار وضعف عربي، إنعدام الثقة بالنفس وضمور الشخصية العربية العسكرية أمام جيش إسرائيلي مدجج أصبح أسطورة مزدانة بالوهم وجيشاً لا يُهزم وذلك بفضل القيادات العربية الركيكة التي دفعت بالبلاد والعباد نحو الدرك الأسفل من الهزيمة والذل والضعف والهوان وانشغلت بالتفاهات وجلد شعوبها والتضييق على أصحاب الفكر والمعتقد وخاصة حملة الفكر السيادي والإصلاحي, الإسلامي وغيره من التوجهات, مما دفع بالإصلاحيين والإسلاميين إلى التموضع في مواجهة الانظمة الجائرة…
عبد الناصر الذي وعد الشعوب العربية في خطاباته الرنانة وحنجرته الذهبية وأداءه التمثيلي بالرفعة والسمو والتطور والرقي والقوة والغلبة والإنتصار، يتحمل هو أعوانه مسؤولية زلزال 1967 ونتائجه وتداعيته، الذي لم ينتج عنه إلا تراجعاً وخزياً وانهزام.
شجون من قلب الحدث: معايشة واقعية
عند بداية حرب 1967 كانت الاخبار ترد تباعاً إلى لبنان عن طريق الإذاعة المصرية عن الإنتصارات الكاذبة التي يحققها الجيش المصري والخسائر الفادحة الوهمية التي يلحقها بجيش العدو.
يروي لي أحد الشخصيات الللبنانية أنه يوم الخامس من حزيران 1967 كان مع عدد من الأصداقاء يجلسون في نادي الرابطة الثقافية, وكان معظم مرتاديه من الحزبيين واليساريين والبعثيين والقوميين، وكانت الأخبار الكاذبة ترد تباعا عن نصر مؤزر للجيوش العربية عبر الإذاعة المصرية, وقف يومها أحد الأساتذة المعروفين بين الحضور وقال : ” أقول وأنا متأكد وبملء الثقة أن اسرائيل ستزول من الوجود خلال أيام!!! “… يومها وبعدما خرج الراوي من النادي متوجهاً إلى بيته في صيدا القديمة سيراً على الأقدام، تساءل، وهو المناهض لعبد الناصر ونهجه وسياساته، وقال بينه وبين نفسه: ” هل من الممكن أن يتحقق ما قاله الأستاذ ؟”.
كان الراوي, وهو ملتزم دينياً متبرأ من الأحزاب, يرى ضموراً وضعفاً في سياسات عبد الناصر وكان يطلق عليه صفة ” الممثل ” إذ يعتبر أن أداءه تمثيلياً يفتقر إلى المصداقية العملية والواقعية والشفافية، وكان يرى أن ركوبه الموجة الإشتراكية واليسارية والقومية مبتعداً عن الدين الإسلامي الحنيف بل محارباً لنهجه سبباً كافياً لعدم توفر فرص النصر والتقدم.
عندما روى لي الراوي تلك الحادثة قلت له يومها: ” لو كنت مكانك لقلت للأستاذ وللحضور : ” عندما يحين وقت زوال دولة إسرائيل, لن تكون أنت ورفاقك تجتمعون في نادي الرابطة بكامل حلتكم وملابسكم وزينتكم ترتادون نادياً ثقافياً ترفيهياً لتمضية الوقت الضائع من حياة أمة لا تعرف ماذا تريد، بل يجب أن تكونوا متواجدين على جبهات القتال تقاتلون بهمة وحماسة وشراسة وإيمان بأن الجهاد في سبيل الله والأرض والعرض هو الوسيلة الأصح لاستعادة حقوق وأراضي اغتصبت اغتصاباً على حين غرة وغفلة من شعوبٍ ارتضت لنفسها الذل والهوان واستساغت طعم الهزائم والنكبات “.
إقرأ أيضاً العمل الفدائي
الإنهزام أمام الأمر الواقع
وجد الحكام العرب أنفسهم أمام أمر واقع، جيش لا يقهر وبلاد محتلة, وعواصم محاصرة وعروش مهددة, وجيوش عربية منهزمة مكسورة ومتخلفة, ونفوس اهتزت الثقة بداخلها, ودعم روسي (سوفييتي) وهمي صوري وشكلي، فبدل أن يراجعوا حساباتهم ويقيموا الأحداث ويخرجوا بالعبر ويرسموا الخطط ويعدوا العدة, بأوا يبحثون عن سبل لإيجاد تسوية للصراع العربي الاسرائيلي بشكل يحفظ للأنظمة العربية كيانها ويحفظ لإسرائيل أمنها والإعتراف بوجودها وانفتاحها على محيطها.
عنتريات مقابل خبر كان
إنَّ حرب 1967 أججها العرب ودعوا اسرائيل إلى النزال العسكري المباشر، واستفزوها واستدرجوها الى القتال، فالزعيم المصري الراحل أوهم العالم أنه يستطيع مواجهة اسرائيل بل هو من سيبادر بالهجوم عليها وكان يستعرض القوة العسكرية والصواريخ والعتاد ويوهم الناس بأنه الأقوى في المنطقة، فقد طالبت مصر حينها قوات حفظ السلام المرابطة في صحراء سيناء بالمغادرة، كما تم إغلاق مضيق تيران أمام السفن الإسرائيلية، فباغتته اسرائيل برد عدواني شرس ومدمر، وفضحت ادعاءاته الباطلة وعدم جهوزيته، وهنا علينا أن نتوقف أمام أمرين:
إما أن عبد الناصر كان فعلاً يملك القوة العسكرية ولكن القيادة العسكرية كانت مخترقة وتم تعطيل كل وسائل الدفاع والرد تقنياً وعسكرياً وسياسياً، وتم إلهاء الجنود والضباط.
وإما أنه كان يوهم العالم ويكذب عليهم وهو فعليا لا يستطيع مواجهة العدو ويفعل ذلك من باب تقوية زعامته في العالم العربي ظناً منه أنَّ اسرائيل لن تقدم على أي هجوم…
على الوجهين خيانة
في كلا الأمرين خيانة عظمى لله وللوطن ولكل عربي ومسلم حيث أن تداعيات هزيمة ال1967 أوصلت العرب إلى الإستسلام والقبول بإسرائيل ككيان موجود حكماً وواقعاً، وكل ذلك كان مدروساً، كما أن الأنظمة العربية ساعدت أو ساهمت في إنجاح ذلك المخطط ولا فرق عندنا إن كانوا يعلمون أو لا يعلمون لأن المثل يقول: ” إن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم “…..
وللحديث تتمة المقال المقبل : معركة القسطل 1948: صمود في زمن الخيانة
المصادر
- ويكيبيديا
- الجزيرة نت
- BBC
- DW.COM
- القدس
- مذكرات كاتب المقال
اترك تعليقك :-)
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.
تعليق
فى كثير من الأحيان يكون الفشل بداية النجاح .
ليس دفاعا عن الهزيمة ولكن دفاعا عن النتيجة.
إذا وقع عبء( الهزيمة ) وتداعيتهاعلى عاتق جمال عبدالناصر سنة (١٩٦٧).
وما مر سوى ٦ سنوات على تلك الهزيمة المفجعة إلا وكان نصر غير مسبوق وغير متوقع حدوثه في تلك الفترة.
فقد نال محمد أنور السادات والجيش المصري شرف( النصر) على جيش ظن العالم برمته إنه لايهزم وقد انكشفت حقيقة الجيش الإسرائيلي أمام بسالة الجيش المصرى وقائدها الذى لقبه العالم بثعلب الصحراء لما تميز به من مكر خدع به العالم قبل إسرائيل نفسها وأوهما بعدم وجود نية للحرب وإلى الآن تدرس خطة حرب ١٩٧٣ فى روسيا وكثير من الدول .