كيف وصل لبنان إلى جهنم؟
كيف وصل لبنان إلى جهنم؟
مقولة قالها رئيس الجمهورية, حين سأله أحد الصحفيين باللهجة اللبنانية:” لوين رايحين؟”, فأجابه رئيس الجمهورية بكل راحة وثقة:” رايحين على جهنم!!!”.
الطريق إلى جهنم
يعاني لبنان اليوم من أسوأ أزمة إقتصادية من تأسيسه عام 1920, بل من الأزمات الإقتصادية الأسوأ على مستوى العالم, فهو الآن يقترب شيئا فشيا من النموذج الفنزويلي, لتتعدى فيه نسبة التضخم حنى الساعة ال 120%, وللتبسيط فإن راتب الموظف الذي كان يساوي منذ سنتين 450 دولار أمريكي أصبح اليوم لا يساوي 36 دولار, وأسعار السلع زادت بنسبة عشرة أضعاف وأكثر لذلك فإن نسبة التضخم صارت تزيد عن المئة في المئة, والقوة الشرائية لليرة اللبنانية قد فقدت ثمانين بالمئة من قيمتهافي السوق المحلي.
الحرب الأهلية 1975
مرت على لبنان 15 عاما من الحرب الأهلية الطاحنة ( 1975-1990) دمرت كل شيئ بما فيه الإقتصاد, وقد عانى لبنان مطلع الثمانينات وخلال الحرب من أزمة إقتصادية كانت الأولى عام 1983, إذ كان الدولار الأمريكي يساوي 4 ليرات لبنانية وانتهى به الأمر عام 1992 بالوصول إلى حافة الثلاثة الاف ليرة أي أن هذه العملة فقدت قيمتها 750 مرة, يعني بعملية حسابية بسطية, فإن السلعة التي كان ثمنها ليرة لبنانية واحدة صار ثمنها وقتها سبعمائة وخمسون ليرة.
خطة إعادة الإعمار العرجاء
بعد الحرب اعتمدت الحكومة اللبنانية سياسة الإقتراض من الخارج لإعادة إعمار لبنان, وقد اتبع الرئيس الراحل رفيق الحريري تلك السياسة معتمداً على جعل لبنان بلدا استثمارياً بامتياز يستقطب رؤوس الأموال العربية والأجنبية, إلا أن هذا الخيار كان يتطلب جواً من الإستقرار السياسي والأمني الذي لم يتوفر في لبنان حتى بعد انتهاء الحرب, وخصوصاً بعدما أخذت قوى الممانعة خيارها التموضع مع النظام السوري وتشكيل محور مناهض للولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج العربي ووقعت في لبنان ثلاثة حروب مدمرة بين حزب الله وإسرائيل أعوام 1993-1996-2006, كانت اسرائيل تمعن في ضرب البنى التحتية للإقتصاد اللبناني وتعيده إلى نقطة الصفر بل إلى ما تحت الصفر.
رغم الظروف الغير مؤاتية
استمر الحريري بمشروعه الإعماري, وبرغم كل هذا الوضوح الذي تجلى بعدم الإستقرار, استمر بل أوغل في الإعتماد فقط على الإقتصاد الريعي الذي يعتمد فقط على تقديم الخدمات كجذب لرأس المال الأجنبي, هذا المشروع الذي اعتمد على الإقتراض والقروض الميسرة والهبات والمنح لإعمار ما تهدم, وركز فقط على النواحي الخدماتية دون الأخذ بعين الإعتبار أن لبنان بحاجة إلى مشاريع إنتاجية كالصناعة والزراعة وما يتفرع عنهما من أعمال ومشاريع توفر فرص عمل وتحرك الدورة الإقتصادية بشكل سليم, ويؤدي بالسير بخُطى ثابتة للوصول إلى الإكتفاء الذاتي, دون الحاجة إلى المقرضين والمستثمرين, الذي لم يعد يتوفر فرص نجاحهم بسبب الوضع الامني والسياسي الغير مستقر في لبنان.
اتفاق الطائف يُعيد أمراء الحرب
أمراء الحرب
على صعيد آخر, وبعد نهاية الحرب اللبنانية,استلم زمام أمور الحكم في لبنان أمراء الحرب, أي نفس الوجوه المتقاتلة اتفقت فما بينها على إدارة البلد في السلم كما في الحرب تحت الوصاية السورية وبدستور جديد تم الإتفاق عليه في مدينة الطائف السعودية بمباركة عربية واتفاق سعودي سوري وبدعم أمريكي.
الوطن غنيمة الحرب أيام السلم
كان البلد بين يدي أمراء الحرب كالغنيمة, تقاسموه فيما بينهم, بالتراضي والتوافق وكان كل طرف من هذه الأطراف يعمل جاهداً على توظيف أنصاره واتباعه في الوظائف الحكومية والمناصب الحساسة, دون الأخذ بعين الإعتبار الكفاءة والمهنية والإختصاص, فلم يكن دور الأنصار والأتباع والأزلام في تأدية مهاهم إلى السمع والطاعة وتنفيذ الأوامر, وصولاً إلى حرف الوزارات والمصالح عن دورها الحقيقي في تطوير الخدمات وإقامة المشاريع والنظر إلى حاجات المجتمع اللبناني وتلبيتها, وبالتالي فقدت الدولة دورها في إدارة البلد وتطويره والحفاظ عليه.
إقرأ أيضاً ماذا يجري في لبنان
من الإقتراض إلى العجز
منذالعام 1993 والدولة اللبنانية تقترض وتنفق دون مورد يُغطي هذا الإنفاق, و90 بالمئة من اموال الإقتراض وإقامة المشاريع كانت تذهب إما هدراً وإما بين براثن العمولات والسمسرات وإما تلاعباً واختلاساً, اذاً كيف كانت الدولة اللبنانية تنفق طيلة هذه الاعوام من جيب غيرها وهنا الطامة الكبرى.
الدولة تنفق من جيب مواطنيها
كانت الدولة تقترض أيضاً من مصرف لبنان سنوياُ آلاف المليارات من الليرة اللبناني, والمصرف المركزي هو مؤسسة حكومية, فكيف كان المصرف المركزي يؤمن للحكومة هذه المبالغ الخيالية؟ هنا كانت الصدمة الكبرى؟ كان مصرف لبنان يقترض من المصارف اللبنانية التجارية التي تحتوي على ودائع الناس ومدخراتهم, بفوائد عالية جداً ليُشجع المصارف على عدم التردد في إقراض الدولة.
القضاء على مدخرات الناس
على مدى عشرين عاماً كانت الحكومة اللبنانية تنفق من أموال المودعين حتى قضت عليها نهائيا, وأعلنت عن تعسرها عن التسديد في آذار 2020, وبذلك تعسرت معها المصارف اللبنانية وامتنعت عن دفع الودائع للناس أو حتى إعطائهم جزءاً منها واقتصرت على دفع مبالغ شهرية محددة لا تتعدى في بعض الأحيان المئة دولار أمريكي.
دولة منهكة
إذا نحن الآن أمام دولة أنهكها الإستزلام بتدمير إمكانياتها وقدرتها على إدارة البلد بشكل سليم, وفقدان الخدمات العامة وأسباب العيش والإستمرار على قيد الحياة, وقروض متراكمة على الحكومة تعجز عن سدادها للمجتمع الدولي والمصارف اللبنانية, وأمام قطاع مصرفي مفلس ومودعين خسروا جنى عمرهم ومدخراتهم, ووضع اقتصادي ينذر بالوصول إلى جهنم كما قال رئيس الجمهورية اللبنانية الحالي.
البقرة الحلوب
منذ ثلاثون عاماً سمعت الرئيس اللبناني الأسبق الياس الهراوي يقول:” اذا اعتبرنا أن لبنان بقرة حلوب والكل يقوب بحلبها وبيع لبنها, ولا أحد يقدم لها طعاماً وعذاءا ورعاية, فسوف تقع تلك البقرة عاجلاً أم آجلاً وسنخسر الحليب والبقرة ونجوع جميعاً”.
المصادر