المتقاعدون .. شركاء فاعلون
المتقاعدون .. شركاء فاعلون
اعتادت بعض الفئات في المجتمع أن تنظر للتقاعد على أنه نهاية الطريق إلا أنه في الحقيقة لا يعني نهاية المطاف ولكنه انتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى من البذل والعطاء ، فلكل مرحلة من العمر طابعها الخاص وأهميتها المتفردة ، والجدير بالذكر أن هناك سنويا أرقام تتزايد وطاقات متميزة تدخل ضمن خانة التقاعد في المملكة العربية السعودية.
فحسب التعداد السكاني لعام 2017 شكلت فئة المتقاعدين ما يزيد على 5% من إجمالي عدد السكان في المجتمع السعودي ، والزيادة تقارب 100 ألف متقاعد سنويا تقاعد نظامي أو مبكر (1) ، أيضا كشف التقرير السنوي للمؤسسة العامة للتقاعد لعام 2018 عن وصول عدد المتقاعدين الأحياء إلى أكثر من 645000 بنسبة تغير 4.72% عن العام السابق ، وبنسبة زيادة قدرها 100% مقارنة بعام 2010 . (2)
هذه الأرقام ذات دلالات هامة تؤكد على ضرورة الاهتمام بفئة المتقاعدين التي تزداد كل عام ، فهي أعداد لا يستهان بها ، وعدم إشراكها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية سيكون له تأثير سلبي .
فالمتقاعدين يمتلكون قدر من الخبرات والمؤهلات التي بإمكانها النهوض بالاقتصاد الوطني خصوصا مع رؤية المملكة 2030 التي نصت على الاهتمام بهم وأعطت الفرصة لهم ليكونوا شركاء فاعلين في تحقيقها ، كما هدفت إلى الارتقاء بجودة حياتهم من جميع النواحي النفسية والصحية والاجتماعية من خلال توفير البيئة الجاذبة لهم. (3)
ويرتبط مصطلح التقاعد بمفهوم الوظيفة وليس العمل ، فهو يعني انقطاع الشخص عن وظيفته عند وصوله للسن النظامي للتقاعد ولا يعني بالضرورة عدم قدرته على العمل ، كذلك يرتبط بمفهوم الأدوار الاجتماعية ، ففي حال تقاعد الشخص يفقد دوره الاجتماعي على صعيد العمل والذي من خلاله يستمد مركزه الاجتماعي ويؤثر على نظرته لنفسه ونظرة الآخرين له وهذا بدوره قد يتسبب للمتقاعدين بمشكلات نفسية واجتماعية مثل نقص القدرة على التوافق الاجتماعي مع المرحلة الجديدة ، إحساسهم بالفراغ الذي نشأ نتيجة انسحابهم من أعمالهم ، الشعور بالوحدة نتيجة قلة التواصل مع الآخرين وانشغال الأبناء بحياتهم الخاصة ، تهميش بعض مؤسسات المجتمع لطاقاتهم مما يشعرهم بعدم أهليتهم لمواكبة التطورات. (4)
كذلك يشير التقرير السنوي للمؤسسة العامة للتقاعد لعام 2018 إلى أن عدد المتقاعدين حسب الفئة العمرية (45-54) بلغ أكثر من 397000 متقاعد ، مما يعني 45.36% من إجمالي عدد المتقاعدين .
وتكمن الأهمية هنا أننا أمام خبرات ناضجة لا تزال في منتصف طريق العطاء وقادرة على إحداث فرق بالتنمية متى ما أحسن توظيفها بما يتلاءم مع ظروفهم.
ويمكن ربط الموضوع بالنظرية التبادلية التي تقوم على مبدأ الأخذ والعطاء ، فالموظف حين يتقاعد يحصل نظير فترة عمله التي قضاها مقابل مادي ومعنوي ، بعض المتقاعدين على الرغم من استقرار وضعه المادي إلا أنه يفتقد إلى المردود المعنوي نتيجة نقص تفاعله الاجتماعي مع من حوله الذي ساهم به تقاعده عن عمله وعدم ارتباطه وملئ وقته بأدوار أخرى والتي تؤدي إلى شعوره بعدم الأهمية. (5)
إن وضع الخطط والبرامج التي تكفل للمتقاعدين إشباع احتياجاتهم والاستفادة من خبراتهم لا يعود نفعها مباشرة عليهم فقط بل تعود على المجتمع بأكمله. (6)
و على مستوى التجارب العالمية تم تقديم العديد من هذه البرامج منها مثلا هيئة الخبراء المسنين في ألمانيا ، حيث تضم آلاف الخبراء من الألمانيين الذين قاموا بزيارة معظم البلدان النامية ويعملون بلا مقابل لتقديم استشاراتهم وخبراتهم ، كذلك جامعة المتقاعدين في اليابان وأول شروطها أن يكون المنتسب قد تجاوز الستين عام ، وتتضمن مناهج علمية وعملية بما يتناسب مع ثقافتهم ، جمعية المتقاعدين الأمريكية وتعمل على أساس إعطاء المتقاعدين فرص لخدمة مجتمعهم المحلي من خلال خبراتهم المهنية في التعليم والتدريب وغيرها مثل تقديم المساعدة في التخطيط المالي للكبار ، وتقديم الاستشارات للشباب في مجال المشاريع .
وفي العالم العربي العديد من النماذج مثل الجمعية العامة للمسنين في جمهورية مصر العربية ، وجمعية رابطة الأجيال في تونس ، وجمعية المتقاعدين في المغرب وجمعية المتقاعدين في المملكة العربية السعودية. (7)
ورغم وجود مراكز تخدم المتقاعدين في المملكة مثل مركز الملك سلمان الاجتماعي وبعض مراكز التنمية الاجتماعية إلا أنه لا زالت الحاجة قائمة في جميع مناطق المملكة لتلبية تطلعات المتقاعدين وعدم حصرها بلقاء دوري وهذا يتطلب تنويع البرامج وتوسيع النطاق لاحتواء طاقاتهم وخبراتهم وتطويعها في خدمة المجتمع .
أخيرًا احتياجات المتقاعدون تختلف ، فبعضهم يرى أنه قد حان وقت الاستجمام و التركيز بشكل أكبر على نفسه وبيته بعد أن قضى عمرا طويلا مع عمله ، والبعض الآخر يرى أنه لا يزال يمتلك طاقة من العطاء ولديه الرغبة بإمداد المجتمع بما يمتلك من حصيلة خبرات سواء على الصعيد المهني أو الشخصي ، وفئة تقاعدت ولم توجد لنفسها مساحات ترويحية تنفّس بها عن طاقتها ، حيث أصبحت تحمل صورة سلبية عن الواقع وإن لم نتدارك هذه الفئة ستكون عبء على نفسها و ذويها .
ويبقى السؤال :
- هل هناك برامج تعمل على التوعية والتهيئة النفسية والاجتماعية لمرحلة ما بعد التقاعد ؟
- هل هناك جهات تستثمر خبرات المتقاعد بما يتناسب مع معطيات مرحلته ؟ – من غير إلزام تام أو تقييد لمعظم أوقاته -؟
إعداد: نجلاء المجاربي
المراجع :
- آل عقران ، أريج أحمد . (2017) . مدى معرفة المتعاقدين بالخدمات المتاحة لهم في ظل رؤية 2030 الواقع والمتوقع . عالم التربية, س18, ع58
- المؤسسة العامة للتقاعد . إصدارات المؤسسة – التقرير الإحصائي السنوي . استرجعت من :
https://www.pension.gov.sa/AgencyPublications/AnnualReport/Pages/default.aspx
- آل عقران ، أريج أحمد . (2017) . مدى معرفة المتعاقدين بالخدمات المتاحة لهم في ظل رؤية 2030 الواقع والمتوقع . عالم التربية, س18, ع58
- عبدالجليل ، نجاح محمد . (2010) . التوافق النفسي والاجتماعي وعلاقته بدافعية الإنجاز لدى عينة من المتقاعدين: دراسة مقارنة بين الريف والحضر (رسالة ماجستير) . جامعة الفاتح
- الشثري ، عبدالعزيز حمود . (2011) . بعض المشكلات الاجتماعية للمتقاعدين عن العمل : دراسة ميدانية لعينة من المتقاعدين في مدينة الرياض . مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية, ع20
- حسن ، مرح مؤيد . (2011) . العنوان: الحياة الاجتماعية لما بعد التقاعد : دراسة ميدانية عن المتقاعدين في مدينة الموصل . مجلة دراسات موصلية, مج 10, ع 32
- المتقاعدون بين الاهتمام والتجاهل . (2011) . جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية .الأمن والحياة .مج 24, ع 276
Tag:التقاعد