عملية نوعية: وجهاً لوجه مع العدو الإسرائيلي
مذكرات طفل-6-
ذكريات الطفولة أصدق أنباءً من الكتب
في أحد أيام ربيع عام 1984 كنت وإخوتي وأبناء الجيران نذهب كل يوم أحد إلى السينيما حيث كانت تقام حفلات أسبوعية خاصة للأطفال تمتد من العاشرة صباحاً وحتى الواحدة والنصف ظهراً، كنا نعود إلى البيت عند انتهاء الحفل ونمر من طريق السيدة نفيسة وصولاً إلى بيتنا في سهل الصباغ.
عُد فوراً إلى المنزل
في يوم من الأيام لم أعد أذكر تاريخه، قررنا يومها أن نخرج من الصالة قبل انتهاء البرنامج، لا أعلم حتى الآن لماذا أخذنا هذا القرار.! إلى الآن لا أستطيع أن أذكر سبباً محدداً لخروجنا قبل ساعة أو أقل، كل ما أذكره أنني شعرت بالملل وطلبت من إخوتي ومن يرافقنا أن نغادر باكراً وهذا ما حصل.
إقرأ أيضاً: مذكرات طفل-5- :في الأمن والتوقعات وعلم النفس والإجتماع
انفجار غير متوقع
وصلنا إلى البيت قرابة الساعة الواحدة، وما إن شارفت الساعة على الواحدة والخمسة وثلاثين دقيقة حتى دوى انفجار هائل تحطمت على أثره الواجهات الزحاجية لبعض المحلات، كان صوت الإنفجار مدوي وقريب، لم نكن نعلم مكان وقوعه لكن سرعان ما تبين أن الإنفجار وقع عند تقاطع منطقة السيدة نفيسة، وكان عبارة عن عبوة ناسفة شديدة الإنفجار وضعت في برميل للنفايات موجود عند حائط بستان لآل حجازي، ومكان العبوة هو ممر إجباري لنا عند العودة إلى البيت وفي نفس التوقيت.
ما أثار دهشتي وحيرتي وقتها أننا كنا نحن الأطفال سنمر من هناك وكان عددنا يتراوح أسبوعياً من خمسة إلى سبعة اطفال، ولولا العناية الإلهية لكنا في عداد الأطفال الشهداء.
عملية نوعية
كان انفجاراً قوياً أسقط يومها ستة قتلى للإسرائيليين والعديد من الجرحى التي كانت إصاباتهم خطرة وذلك بحسب حسب شهود عيان ولكن الاسرائيليين كعادتهم لم يعترفوا يومها إلا بثلاثة قتلى.
الطوافات بين البيوت
ضربت القوات الإسرائيلية طوقاً أمنياً محكماً ومنعت التجول والإقتراب من مكان الإنفجار لمدة زادت عن الخمس ساعات وبدأت الطائرات العامودية تحوم وتهبط في ساحة ” السيدة نفيسة ” لنقل الجرحى والجثث.
لأول مرة
كان هذا الإجراء يتخذ لأول مرة داخل مدينة صيدا، استخدام الطائرات العامودية، وذلك لسببين, أولاً بسبب الخسائر الهائلة التي لحقت بالدورية الإسرائيلية وأفرادها وثانياً حتى لا يتمكن أحد من معرفة وإحصاء عدد القتلى والجرحى.
إقرأ أيضا: الشهيد جمال حبال قائد ومؤسس قوات الفجر
كانت عملية نوعية للمقاومة الصيداوية خرجت عن المألوف، كانت عمليات المقاومة قبل ذلك التاريخ تعتمد على الرشاشات الخفيفة والقنابل اليدوية وقذائف ال ” ب7 ” وال ” آر بي جي ” كحد أقصى، أما تلك العملية فكانت نقلة نوعية في العمل العسكري المقاوم.
فضول الأطفال يقودهم إلى المواجهة
لما انتهت القوات الإسرائيلية من عملها في مكان الإنفجار وغادرت المكان قمنا نحن الفتية كعادتنا بالتوجه إلى مكان الإنفجار لتفقد المكان، عندما وصلنا إلى هناك ذُهلت لما رأيته، لقد أزال الإسرائيليون كل الآثار التي أحدثها الإنفجار ونظفوا ورتبوا المكان واعادوه إلى ما كان عليه، لكن بقي على الأرض بعض آثار للدماء لم يتمكن الإسرائيليون من إزالتها وبعض أدوات الإسعافات الأولية.
وبينما كنا نتفقد المكان عادت الملالات الإسرائيلية بشكل سريع ومباغت مما أشعرني بخوف لا أستطيع وصفه جعلني أتسمر في أرضي أنظر إلى الجنود الإسرائيليين منتظراً إما إطلاق النار أو الإعتقال، إلى أن بادرني أحد الجنود بالقول: ” روخ بيت, يللا ” فهرعت جرياً إلى المنزل.
المصادر
Share this content:
إرسال التعليق