لماذا نقرأ التاريخ؟
لماذا نقرأ التاريخ؟
لا مستقبل لمن لا ماضي له, ولا أفق لمن لا ذاكرة له, ولا حلول لمن لا يحلل التجارب ويستعرض التاريخ, ولا نهوض لمن لا يتعرف على الحفر, ولا عزة إلا بتجنب الكبوات, ولن نتجنب الكبوات إلا بالتعرف عليها ومراجعتها وتحليلها وتفنيدها. يبدأ الإصلاح الحقيقي من المحاسبة والمراجعة, والمعاتبة غسيل للقلوب والنقد الذاتي الجماعي غسيل للروح, وجلد الجياد عند جموحها ضرورة وإلا ذهبت بصاحبها إلى الهلاك.
واقع المجتمع العربي
مجتمعنا العربي أعياه الجهل المقنع والإنغماس في حاضر ملوث والإنكباب على تحقيق مستقبل ضبابي بل حالك السواد, لم يصل هذا المجتمع يوماً في تاريخنا المعاصر إلى حقيقة كاملة, إلى فوز حقيقي كامل, إلى إنجاز مشرف، بل هو سائر وراء سراب آخره خراب… حيث تعددت السبل والطرق والنظريات والمشاريع والأحزاب والعقائد, وتوحدت على نتيجة واحدة: الإنحدار والتخلف.
لذلك حريٌ بنا أن نراجع تاريخنا ونقرأه جيداً ونفنده, لنستخلص منه العبر ولنستطيع إيجاد الحلول والسير بها, فالطبيب أول ما يسأل المريض عنه هو تاريخه المرضي, ليتمكن من تشخيص المرض ووصف العلاج المناسب.
الحقائق المنسية والمخفية
كذلك فإن قراءة التاريخ والتبحر بالأحداث تجعلنا نكتشف الحقائق المنسية والمخفية, كتلك التي عمل المضللون على تغييبها والتعمية عليها, تدفعنا للبحث تحفزنا لعدم الإستسلام للتناقضات التي نلمسها في رواية التارخ وتشخيص الأحداث, تجعلنا كمن يتوب عن الذنب, حين تكتشف أننا نعيش في واقع مصطنع, مصنوع من قبل الإعلام ووسائل السيطرة على العقول والدخول إلى القلوب والتربع على عروش غرف التحكم بالعالم.
إقرأ أيضاً ماذا يجري في لبنان
قصة وعبرة
وإليكم هذه القصة من التراث العربي القديم تؤكد لنا بوجوب مراجعة التاريخ للبحث عن الحقائق لأنه من الممكن تشويه كل شيئ وتضليل الأجيال وتغيير الحقائق, بظلم ظالم وحكم جائر وافتراء جاهل وإدعاء مدعي.
ففي الزمن الغابر تعرض أحد الملوك لمرضٍ في انفه فأشار عليه الأطباء بضرورة قطع أنفه وإلا فمصيره سيكون الموت، فقبل الملك بخسارة أنفه حتى ينجو بحياته، وبعد العملية صار المقربون منه لا يستطيعون لجم ابتساماتهم الساخرة من هيئة الملك ذو الانف المقطوع فأمر الملك حاشيته وأعوانه بقطع أنوفهم حتى يصبحوا كلهم سواء ولا يسخر أحد من أحد.
بعد ذلك تعرضت الحاشية للسخرية من أعوانهم وعوام الناس فطلبت منهم قطع أنوفهم، وهكذا حتى أصبح سكان البلدة كلهم بلا أنوف، وفي يوم من الأيام دخل رجل من خارج المدينة بأنفه عليهم فلم رأوه بدأوا بالضحك والإستهزاء وقالوا باستغراب واستهزاء: ” هذا الرجل له أنف ” فبات هذا الرجل محط سخرية الجميع وأصبح غريباً بأنف في زمن زالت فيه الأنوف، ولو عادوا بالذاكرة قليلاً إلى الوراء لفطنوا أنهم كانوا أصحاب أنوف وأن أنوفهم قطعت نتيجة قرار ظالم لرجل فاجر غيَّر الطبيعة وعمم الشواذ.
التجارب السابقة
لأجل ذلك علينا استعراض كل التجارب السابقة التي مرت بها أمتنا والعودة إلى الجذور والمنابع الحقيقية للاحداث التاريخية, وخصوصاً من مطلع القرن العشرين وصولاً إلى حاضرنا، مروراً بكل الظواهر والمتغيرات والمستجدات والملمات التي مررنا بها، والهدف منها هو تأصيل التاريخ في إطار الحقائق, ومن ثم أخذ العبر وتحليل الأسباب والدوافع والحيثيات التي أدت بنا دائماً للفشل والخسارات تلو الخسارات.
مصادر التاريخ
من أهم مصادر التاريخ الصحيح الكتب السماوية وأصحها القرآن الكريم, كذلك فإن المخطوطات والكتب القديمة وما تركته الحضارات السابقة من آثار مادية وعينية ولوحات ورسومات ونقوش وأبنية وصروح وخاصة النقود المعدنية المسكوكة, هو من أهم الشواهد على التاريخ البعيد.
الذاكرة الحية
الماضي مفيد إذا أخذنا منه العبر, والذاكرة ضرورية إذا جعلنا منها ذاكرةً حية, تربط بين الحدث والحيثيات, والظروف والملابسات, وتكرار التاريخ لنفسه في كثير من الأحيان, وإسقاط التاريخ على الحاضر كالطبيب الذي يبحث في الجينات الوراثية لتشخيص المرض, لِنُحسن التحليل والفهم والإعتبار، فلا تكون الذاكرة كسلة المهملات مرتعاً لكل حادث وحديث يتعفن مع مرور الزمن وتصدر منه الروائح الكريهة وتتفاعل مواده حتى تؤدي إلى انفجار تتلوه حرائق تحرق الاخضر واليابس.
سرعة الزمن
إن الأحداث تتسارع بشكل مذهل فلا بد من إلقاء الضوء على الماضي حتى نستنير ولا ننخدع ولا نجرب المجرب, سيما أن الأحداث والملمات العربية والإسلامية وما رافقها من أحداث جسام, جعلت من الساحة العربية مساحة مصغرة تجسد ما يجري في العالم من نزاعات وتجاذبات وإنعكاسا لمجريات الاحداث على صعيد العالم والمنطقة تماماً كأيامنا هذه, إذ ان الكثير من الاحداث تتكرر بحلة مختلفة, وأكثر الاحداث التي تجري في أيامنا هذه تستمد ذيولها وحيثياتها وإرهاصاتها من الماضي القريب والبعيد المرتبط بالدين والحضارة والأقوام السابقة.
المصادر
Share this content:
2 comments