القضية الفلسطينية: حكاية أرض وشعب-4-
خيار الأمر الواقع: الإستسلام والمؤامرة
بعد هزيمة 1967 وضع العرب أنفسهم أمام خيار واحد: الإستسلام، أو بطريقة ألطف البحث عن تسوية للصراع العربي الإسرائيلي، كانت منظمة التحرير تُعتبر العقبة الأساسية أمام هذه التسوية بكوادرها وفدائييها وعدتها وعتادها، سيما أن الشعوب العربية والاسلامية بأسرها كانت تنتظر النصر القادم من الشرق فكان من الصعوبة بمكان إقناع الجماهير العريضة برمي السلاح والإعتراف بأن فلسطين أصبحت لليهود وعلينا أن نحسن جوار من اغتصب أرضنا وصادر مقدساتنا..
التمهيد للإستسلام
كيف سيقوم الزعماء العرب بتلك المبادرة المهينة؟! تسوية وسلام مع من اغتصب فلسطين وقتل وشرد ونكل بشعبها، واحتل القدس الشريف وأعلنها عاصمة لكيانه الغاصب. كيف سيبررون ذلك لشعوبهم وللفلسطنيين بالذات. كان عليهم إيجاد المبرر القوي الذي يرغم الجميع على الإستسلام لمبدأ التسوية كخيار لا بديل عنه وإيجاد مناخ وأجواء مناسبة للقبول بهذا السلام…
وعد العام سام
أخذ العرب وعداً من الإدارة الأمريكية وذلك مطلع السبعينات بأن طريق التسوية والسلام سيؤديان إلى إعلان دولة فلسطينية على الضفة الغربية وقطاع غزة، عاصمتها القدس الشرقية، دولة ذات سيادة واستقلال، وأن كل الأراضي العربية المحتلة ستعاد إلى أصحابها.
إقرأ أيضاً القضية الفلسطينية: حكاية أرض وشعب-3-
أثمان مطلوبة
لكن مقابل ذلك يتوجب على العرب:
أولاً تقويض منظمة التحرير وكافة أجنحتها العسكرية وإنهاء العمل الفدائي العسكري المنطلق من لبنان.
ثانياً التمهيد للشعوب العربية بضرورة إيجاد تسوية مع إسرائيل والإعتراف بها ككيان موجود على أرض فلسطين والتعامل معها على أنها جار وأمر واقع.
ثالثا: إحداث صدمات عنيفة لهذه الشعوب كانت أولى هذه الصدمات هزيمة 1967 التي تمخض عنها العمل الفدائي كرد فعل شعبي عفوي لم يستطع الحكام العرب ممانعته خوفاً من ردة فعل شعبية جارفة تهز كراسي الأنظمة الجاثمة على صدور العرب.
الحرب اللبنانية: المدخل والمخرج
وجدت تلك الانظمة وفي أوج أحداث الحرب اللبنانية عام 1975 أن الوقت قد حان للقضاء على هذا العمل الفدائي الثوري والشعبي, فقد وضعت أجهزة الإستخبارات العربية بالتنسق الغير المباشر مع أجهزة المخابرات الامريكية وضمناً الإسرائيلية وبعض عملاء الداخل من فلسطينين ولبنانيين خطة محكمة للوصول لهدفهم المنشود:
أولاً: العمل على تنفير الناس من الفدائيين: وقد تعمدت قيادة منظمة التحرير على عدم تنظيم الفدائيين كسرايا ومجموعات منظمة تخضع للنظام العسكري المناقبي, بل تركوا الأمر مفتوحا أمام الفوضى والمليشيوية، ما أدى الى إحداث حالة من الفوضى التنظيمية والعسكرية وإلى فلتان أمني وفوضى عارمة ادت إلى انشقاقات فرخت مجموعات وقيادات متعددة.
هذا الجو أتاح للعناصر والمسؤولين وأعوانهم وأقاربهم وأزلامهم فعل ما يحلو لهم واستباحة الشارع وفرض الهيمنة على المدنيين وأملاكهم ومصالحهم والتدخل حتى بالأمور العائلية والشخصية للناس.
تقويض الشرعية اللبنانية
ومما زاد الطين بلة كان الإمعان في إهمال السلطات المحلية اللبنانية, الأمنية والرسمية وخاصة قوى الأمن والجيش, بل أمعنوا في تحقيرها والتقليل من شأنها وشلَّها ومنعها من التحرك، كما أمعنوا في إذلال أصحاب الرأي من المعارضن.
الصراعات الداخلية
تصاعد الصراعات الداخلية بين أفراد البيت الواحد, والتي تجسدت في معارك عسكرية ضارية لأسباب أكثر من تافهة لم يتضرر منها إلا المواطنون ومصالحهم وممتلكاتهم، هذا الوضع الشاذ ولَّد أجواء من الإحتقان أفقد القضية الفلسطينية قدسيتها وسلب العمل الفدائي شرعيته ودفع فريقاً لا يستهان به من العرب إلى رفض الوجود المسلح الفلسطيني والذي أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية. كذلك فالمسيحيون أنفسهم وجهوا فوهات بنادقهم إلى بعض، وسالت دماؤهم لتختلط بدماء من قتلوا إبان سنوات الحرب الأهلية في مشهد سريالي يصعب تفسيره.
مسيحيو لبنان: وقود الحرب
ثانياً: كان مسيحييو لبنان يتخوفون من الوجود الفلسطيني المدني والمسلح ويشعرون بخطر مباشر على أمنهم ووجودهم وكيانهم فغالبية الفلسطينيين من المسلمين وقد لاقى العمل الفدائي حضناً إسلامياً لبنانياً دافئاً، ما أدى بالمسيحيين إلى الشعور بالعزلة والضعف وسط هيمنة إسلامية مدعمة بسطوة السلاح وبوهج الثورة الفلسطينية.
مسلمو لبنان: الإنقلاب على المارونية السياسية
ثالثا: الحركة والوطنية والتي ضمت الاحزاب اللبنانية اليسارية والإسلامية, كانت بدورها تخوض معركة مطلبية ضد النظام الرئاسي المسيحي المهيمن على الدولة اللبنانية, فتولد جوٍ من الإنقسام الحاد العامودي والأفقي, انقسام لبناني على كينونة الدولة وعلى الهوية والإنتماء والتوجهات, فكانت الحرب اللبنانية وليدة تضارب وتقاطع مصالح الطبقة السياسية اللبنانية .
ركوب الموجة
الكثير من اللبنانيين استغلوا القضية الفلسطينينة بل ركبوا الموجة للتحقيق أغراضهم السياسية الداخلية فكانت الحركة الوطنية التي ضمت القوى الوطنية والإسلامية اللبنانية ومنظمة التحرير بمثابة تقاطع مصالح للطرفين متستراً بالقضية الفلسطينية في أغلب الأحيان.
التحديات والقلق على الوجود
شعر المسيحييون بأن هناك تكتلا عريضا في لبنان يأخذهم إلى حيث لا يرغبون, ووجدوا أنفسهم أقلية معزولة في وطن يمسك الفلسطينيون والحركة الوطنية (يساريون ومسلمون) بزمام الكثير من الأمور فيه، وكان ذلك بمثابة تضارب مصالح واختلاف على شكل الدولة ومضمونها.
البيئة المناسبة
هكذا تشكلت البيئة المناسبة للقضاء على العمل الفدائي بعمل عسكري اسرائيلي ضخم يستطيع الإنقضاض على لبنان البلد الذي تعمه الفوضى العارمة والخلافات العميقة, استنجد المسيحييون بإسرائيل, فكان الإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.
المصادر
Share this content:
إرسال التعليق