تركيا: ما بين السياحة العائلية وماخفي كان أعظم
تركيا: ما بين السياحة العائلية وماخفي كان أعظم
منطقة التقسيم وكسائر المناطق السياحية في ” العالم الحر ” يختلط فيها الحابل بالنابل, وترتدي السياحة ثياب الممنوعات والمحرم وكأن هذا لبوسٌ أضحى شرٌ لا بد منه, ولكن تركيا بالذات غدا الأعم الأغلب من قاصديها للسياحة يبتغون السياحة العائلية والثقافية والتاريخية والدينية وينشدون اجواءً محافظة بلباس الإنضباط والمحافظة على الضوابط الدينية والأخلاقية.
الفرق الكبير
منذ زيارتي الأولى لتركيا عام 1993 ولغاية آخر إقامة لي كانت في اسطمبول العام 2020, بدا جلياً أن تركيا تغيرت تغيراً جذرياً متجهةً نحو التطور والتقدم والرقي بشكل كبير, كما بات ملفتاً تراجع الفساد الملتبس بلبوس السياحة والحضارة الزائفة تراجعاً كبيراً في مقابل السياحة الراقية الهادفة المشتملة لكل أنواع وأشكال السياحة التي تناسب جميع الأذواق والمتطلبات, بحيث أصبحت تركيا آمنة للعائلات بنسبة 95 بالمئة.
إقرأ أيضاً ساحة بين مسجدين
الفساد يتلاشى مقابل الرقي
إلا أن ما يخفى عن الناس بات والحمد لله امراً محصوراً لا يرتاده إلا الشواذ من الناس, وبات له مناطق مخصصة وحصرية, ونلحظ دائماً وجود الأجهزة الأمنية لضبط هذه الأجواء, بالحد الأدنى, بحيث أن التغيير الحقيقي والفعلي في المجتمعات الراقية لا يأتي بالمنع القسري, لأن الحظر الإجباري يولد رغبة مضادة وإصرار وإمعان وتحدي, لذلك فإن التغيير الحقيقي والناجع يكون دائماً ينبع من إرادة المجتمع نفسه ورغبته بالإبتعاد عن كل ما هو دنيء وخبيث, دون الدخول في تحديات لا تكون نتيجتها إلى تكريس الشواذ وتمدده.
مشاهدات حيَّة
في ليلة من ليالي حزيران 2018 كنت وإبنتي عائدين من رحلة بحرية إلى جزر الأميرات وصلت السفينة إلى ميناء إمينونو عند الثانية عشرة ليلا, كانت المواصلات العامة قد توقفت, ذهبنا إلى منطقة التقسيم بنية أن نبيت فيها حيث أن أجرة التاكسي إلى حيث نقطن توازي أجرة ليلة في الفندق, فقلت لإبنتي ننام الليلة في التقسيم ونوفر علينا تعب الإنتقال بالتاكسي وغدا صباحا نتناول فطور في الفندق وبذلك نكون قد وفرنا على أنفسنا عناء وخطورة الإنتقال بالتاكسي ليلا ونكسب الفطور غدا في الفندق, ابتسمت ابنتي ووافقت فقد أعجبتها فكرة بقاءنا في منطقة التقسيم فهي كفتاة ابنة الثمانية عشر ربيعا لا ترى التقسيم كما أراها أنا بل تراها بشكل مختلف, تراها منطقة للحياة, لكن هذه الليلة ستغير ابنتي رأيها تماما بعد الذي سيحدث معنا.
زواريب الهاوية
دخلنا إلى زواريب منطقة التقسيم الداخلية, وجدنا أنفسنا في منطقة منعزلة عن الحياة الطبيعية, وجدنا أنفسنا نائهين في مكان لم يكن علينا دخوله, محال متخصصة, منها للمشروبات الكحولية واخرى للوازم العلاقات الجنسية, رواد تلك الزواريب ليلا اختلفوا كثيرا عن هيئة السواح نهارا, هيئتهم مثيرة للإشمئزاز, شبان على هيئة فتيات الليل, عرب نعم شبان عرب, لكن بمظهر مثير للغثيان, لبسوا الضيق, يمشون ويتكلمون ويتحركون ويتمايلون بطريقة لا يستطيع عاقل أن يعطيها تفسيرا, شبان لا أستطيع أن أقول عنهم أنهم على هيئة بنات, لأن البنات اطهر من أن تشبههم لمخلوقات تركت الأصل لتقلد الجنس الآخر فبدوا وكأنهم حيوانات غير أليفة, خارجة عن المألوف, مقرفة ومقززة بتوجهاتها, توجهات تفترس الذوق والإنسانية والطبيعة والفطرة والعفة والنفس البشرية السليمة.
شارع أشباه الرجال
مررنا بمحل وقف على بابه شبان مفتولي العضلات, ضحكت أنا وإبنتي, ماذا يفعل هؤلاء في شارع أشباه الرجال, المحل كان مدخلا لملهى ليلي وضع على بابه أعلام بألوان متماوجة تميزه عن سائر الحانات الليلية, استوقفني المشهد, ذكور مائعون هم رواد هذه الحانة, ذكور متعطرة متزينة بلباس ضيق غريب مريب. إنه نادٍ ليلي للمثليين, تأكدنا من ذلك من علم الألوان المتمواجة التي هي اليوم شعار المثليين في العالم, بحيث يتعرفون على بعضهم من خلال هذا الشعار, يا للهول يا للعار, للمثليين راية.
شعور بالغثيان
أكثر ما ساورني تلك الليلة هو الشعور الدائم بالغثيان والرغبة في الإبتعاد عن المكان بأسرع وقت ممكن, مشينا طويلا ونحن نخترق زواريب التقسيم ولا نرى في تلك الليلة المزعجة إلا سكارى ومثليين ومقاهي روادها لا يمتون بصلة إلى السياحة التركية التي تقصدها العائلات.
الهروب من الهاوية إلى الصدمة
بعد سير طويل, هروباً من زواريب الهاوية, وصلنا الشارع المتفرع من برج غلطا لنجد رجال أمن ببزات رسمية وكانهم وحدات امن خاصة يقفون بتأهب عند بوابة حديدية لمقر وبدا وكأنه سري لكثرة الإغلاق وتواجد عناصر الأمن الخاص ببزات رسمية واجهزة اتصال وكأنك أمام عناصر مافيا, اعتقتده سفارة أو قنصلية إلى أن بدت من الظلام الحالك نجمة داوود المنحوتة على بوابة الحديد, فعرفت أنه مقر يهودي أو إسرائيلي, وقد فرقت بين الإثنين لأن تركيا فيها يهود أتراك ليسوا بإسرائيليين, وبعد البحث والسؤال عرفت أنه كنيس نيف شالوم اليهودي:
شعرت بغربة شديدة تلك الليلة وخفت أن أستقل سيارة أجرة وقد شارف الوقت على الثالثة فجرا ومعي ابنتي, خفت من سائق ثمل أو منحرف, إلى أن وجدت مسناً يقود سيارة أجرة فاستوقفته وعدنا إلى البيت بعد مغامرة عرفتني على ما خفي من منطقة التقسيم.
المصادر
Share this content:
إرسال التعليق