تعريف الوقف ودليل مشروعيته
تعريف الوقف ودليل مشروعيته
إن التعريف بالموضوع يسهل من عملية الفهم، ويزيل الغموض الذي يكتنفه
لذلك سأبين التعاريف المختلفة للوقف ونوضح بعض إختلافات الفقهاء
وأرائهم الواردة بينهم اضافة الى ذلك تعريف الوقف اصطلاح القانوني
مع تبيان دليل مشروعيته من الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
وذلك من خلال النقاط الآتي ذكرها:
تعريف الوقف
سأحاول أن أبين في هذا الفرع التعريف اللغوي للوقف أولا
ثم التعريف الإصطلاحي الفقهي و القانوني ثانيا:
أولا: تعريف الوقف لغة
وقف لغة الوقوف خلاف الجلوس، وقف بالمكان وقفا ووقوفا فهو واقف والجمع وقف وقوفا .
كما أن الوقف يدل على كثير من المعاني منها الحبس والمنع و التسبيل فيقال وقف الشيء
و أوقفه ، وحبسه و أجمعه ،أنها كلها تدل على معنى واحد .
والوقف مصدر الفعل وقف، ويقال وقفت دابة أي جعلها تقف ومنعها من السير
ويقال كذلك وقف فلان الشيء وقفا أي حبسه حبسا وجعله في سبيل الخير موقوفا .
ثانيا: تعريف الوقف اصطلاحا
من الثابت أنه لم يرد تعريفا جامعا مانعا للوقف باختلاف نظرة فقهاء الشريعة الإسلامية
و لإعطاء هذا العنصر حقه في دراسة لابد من التفريق بين المعنى الاصطلاحي للوقف في الشريعة الإسلامية و معناه الاصطلاحي قانوني .
-
التعريف الفقهي للوقف
لقد جمع الفقهاء بجواز الوقف باعتباره إعطاء المنافع للمال الموقوف على سبيل الصدقة الجارية، غير أنهم اختلفوا في بعض التفاصيل وعلى النحو التالي:
أعرض تعاريف واتجاهات الفقهاء:
أـ تعريف الحنفية
يعرف الوقف عندهم على أنه ” حبس العين على ملك الواقف والتصدق بمنفعتها على جهة من جهات البر والحال والمآل” .
وعلى ذلك فان الوقف عند الأحناف لا يخرج المال الموقوف عن ملك صاحبه بل يبقى في ملكه، فيجوز له التصرف فيه بكل انواع التصرفات وإذا مات تنتقل الى ورثته من بعد .
وكل ما يترتب على الوقف هو التبرع بالمنفعة، أما أصل الوقف فيبقى في ملك الواقف وعلى هذا يكون الوقف عندهم غير لازم.
كما روى عن ابن عباس أن النبي “ص” قال لما نزلت أية المواريث ” لا حبس عن فرائض الله ”
وجه الدلالة في الحديث دال على أن الوقف لو كان لازما لترتب عليه خروج العين الموقوفة عن ملك الواقف وحبسها عن الورثة، وفي ذلك منع الورثة عن اخذ فرائضهم التي فرضها الله لهم. وذلك تعديا على حدود الله تعالى وبذلك فيها لازما وهو أنه:
- إذا كان حكم القاضي يلزمه.
- إذا خرج الوقف مخرج الوصية كأن يقول وقفت هذه الأرض بعد موتي فهنا وصية.
- أن يقف الأرض مسجد.
ب ـ تعريف المالكية
يعرف الوقف عندهم أنه ” حبس العين عن التصرفات التملكية مع بقائها على ملك الواقف والتبرع اللازم بريعها على جهة من جهات البر ”
فالوقف عند المالكية أنه لا يخرجون العين الموقوفة عن ملك الواقف بل تبقى على ملكه، وهم متفقون مع الأحناف، لكنهم يمنعون التصرف فيها بالتصرفات الناقلة للملكية سواء بعوض أو بدونه ويلزمه بالتصدق بمنفعتها ولا يجوز له الرجوع فيه .
وبالتالي يكون الوقف حسب الفكر المالكي ملكا للواقف محرم عليه التصرف في رقبته وواجب عليه التصدق بثمرته ومنفعته على جهة الموقوف عليها
ج ـ تعريف الشافعية والحنابلة
يعرفون الوقف على أنه: ” حبس العين على حكم ملك الله تعالى والتصدق بمنفعتها على جهة من جهات البر ابتداء وانتهاء
ويتضح ذلك من خلال التعريف على أنه إذا اخرجها من ملكه لا يمكنه له التراجع
و إستردادها واسترجعها.
وبالتالي جعلها مصروفة في سبيل الله، ومنه يمنع التصرف فيها وإذا مات لا يورث ومنفعة العين لازمة للموقوفة عليهم ولا يمكن للواقف ان تمنعهم عنها، ويجعل ثمرته صدقة لازمة على الموقوف عليهم
الرأي الراجح
ومن خلال النظر في التعريفات نجد أن الوقف عرفوه بتعريفات مختلفة لاختلاف مذاهبهم
و في رأي تعريف الجمهور الذي جعل الوقف على حكم ملك الله تعالى.
أنه بالرغم من اختلافهم في تعريف الوقف ولكن ينصب في معنى واحد وهو حبس الشيء دائم
على مصرف دائم، أي على جهة بر لا تنقطع.
2ـ التعريف القانوني للوقف
يعد الوقف أو الحبس بابا من أبواب القربات التطوعية يهدف به صاحبه إلى سد الحاجات الإنسانية و تحصيل الأجر الاخروي .
و قد نص عليه المقنن على أنه ” حبس المال عن التملك لأي شخص على وجه التأبيد والتصدق .
ونلاحظ من خلال التعريف أن المشرع أورد هيئة حبس المال أي قد يكون منفعة
وقد يكون عينيا حيث يشمل محل الوقف العقارات او المنقولات على سواء دون تحديد ذلك.
وكذلك كلمة التأبيد، حيث أنه لا يجوز التصرف في العين الموقوفة لأنها موقوفة لله سبحانه وتعالى، ويجوز انتفاع بها دون المساس بالعين الموقوفة.
و عرف أيضا على انه : الأملاك الوقفية هي الأملاك العقارية التي حبسها مالكها بمحض ارادته. ليجعل التمتع بها دائما تنتفع به جمعية خيرية أو جمعية ذات منفعة عامة سواء كان هذا التمتع فوريا أو عند وفاة الموصين الوسطاء الذين يعينهم المالك المذكور
و عرف أيضا :
الوقف هو حبس العين عن التملك على وجه التأبيد والتصدق بالمنفعة
على وجه من وجوه البر والخير
وما يلاحظ من خلال هذه التعريفات نجد أنها جاءت عامة
حيث أنها تشمل محل وقف العقارات والمنقولات وكلها أجمعت خاصية الديمومة
والتأبيد في الوقف وهذا من أجل المنفعة والتصدق وبالإضافة إلى ذلك نجد المشرع أضاف
في قانون الأوقاف فكرة الشخصية المعنوية .
وبناء على التعاريف السابقة يمكن الوصول إلى أن المشرع لم يأخذ برأي المالكية الذي يجيز الوقف المحدد المدة، بل أحذ برأي المذهب الشافعي والحنبلي باعتباره أن الوقف صدقة جارية ولكي يكون كذلك فلا بد من تأبيده .
مشروعية الوقف
اتفق الفقهاء على مشروعية الوقف وقد ثبتت مشروعيتها بالكتاب والسنة والإجماع وعمل الصحابة والدليل على ذلك:
أولا: من الكتاب
وردت في القرآن الكريم أيات كثيرة تحث على أعمال البر والإحسان تتوجه إلى الأهل والى أفراد الأمة نذكر منها:
كقوله تعالى ” يَأَيُّهاَ الذّيِنَ أَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ”
وجه الدلالة
أن الله سبحانه وتعالى يأمر عباده المؤمنين بالإنفاق والتسابق في البذل الخير طلبا لنيل الاجر والثواب من الله عزّ وجلّ والمراد به هو الصدقة الجارية.
وقوله تعالى: ” لَنْ تَناَلُوا البِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِن شَيْءٍ اللهُ بِهِ عَلِيمٌ”
وجه الدلالة
قدم أبو طلحة إلى رسول الله “ص” فقال: يا رسول الله، يقول الله في كتابه:” لن تناولوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ” وان أحب اموالي الي بيرحا، وأنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث شئت، قال رسول “ص” بخ ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، قد سمعت ما قلت فيها، وأني أرى أن تجعلها في الأقربين فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه .
ثانيا: من السنة
فعن أبي هريرة أن الرسول ” ص” قال: ” إذا مات ابن أدم انقطع عمله إلا من ثلاثة صدقة جارية أو علم ينفع به، أو ولد صالح يدعو له ”
وجه الدلالة
هذا الحديث فيه حث الإنسان على المبادرة بالأعمال الصالحة، لأنه لا يدري متى يفاجئه الموت فليبادر إلى العمل الصالح الذي يزداد به رفعه عند الله سبحانه وتعالى وثوابا .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصاب أرضا بخيبر، فأتى النبي ” ص” يستأمره فيها فقال: يا رسول الله، إنى أصبت أرضا بخيبر لم أصب مال قط هو أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ قال ان شئت حبست أصلها وتصدقت بها “.
وجه الدلالة
حسب الحديث الذي أتى النووي رحمه الله على صحة أصل الوقف
ثالثا: من الاجماع
أجمعت الأمة الإسلامية من لدن صحابة رسول “ص” إلى يومنا هذا على مشروعية الوقف، ونفذته عمليا سواء بالعقارات أو المنقولات
رابعا: من القياس
اتفق الفقهاء على أن الوقف مشروع كقول الإمام الشربي اتفق العلماء على أن بناء المساجد وإخراج أراضيها من ملكية واقفها، أصلها في وقف الأصل وحبس الأصول والتصدق بثمرتها، فيقاس عليه غيره
قائمة المراجع:
ابن عرفة، شرح حدود، الطبعة الأولى، دار العرب الاسلامي، بيروت، لبنان، سنة 1418هـ، 1998 م
ابي القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي القروبي الشافعي، شرح الكبير، الجزء السادس، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، سنة 1417هـ، 1997م
ابي عبد الله محمد بن محمد عبد الرحمن المغربي، مواهب الجليل لشرح مختصر الخليل، الطبعة الأولى، لدار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، سنة 1416هـ، 1995 م
أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي ابو جعفر، شرح معاني الأثار، مجلد 5، طبعة الاولى ، سنة 1414هـ، 1994م ، بيروت، لبنان
أحمد محمود الشافعي، الوصية والوقف في الفقه الاسلامي، بدون طبعة، دار الجامعية للطباعة والنشر، الاسكندرية، مصر، سنة 2000
أحمد ناصر الجندي ، شرح قانون الاسرة الجزائري ، بدون طبعة ، دار الكتب القانونية ،القاهرة ، مصر ، سنة 2009م
اسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، تفسير القرآن، الجزء الأول، دار طيبة، دمشق، سوريا، سنة 1422 هـ،2002 م
شمس الدين السرخسي، كتاب المبسوط، الجزء السادس، طبعة الاولى، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان ، سنة 1414 هـ ـ 1994 م
علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع في ترتيب الشرائع، الطبعة الثانية، لدار احياء التراث العربي، بيروت، لبنان، سنة 1419هـ، 1998م
العلامة ابن منظور، لسان العرب المحيط، الجزء السادس، دون طبعة ، دار الجيل ، بيروت ، لبنان ، سنة 1408 هـ ـ1988 م
محمد بن حرير الطبري، تفسير القرآن، الجزء 24، بدون طبعة، دار المعارف، القاهرة، مصر
وهبة الزحيلي، الوصايا والأوقاف في الفقه الاسلامي ، بدون طبعة، دار الفكر، دمشق ، سوريا ، بدون سنة
إقرأ أيضا:
مزايا دراسة دورة القانون الدولي في الأكاديمية العربية الدولية