الترابط النحوي (Grammatical) في النص القراني
الترابط النحوي (Grammatical) في النص القراني
أ.د. عبدالله خضر
عضو الهيئة التدريسية في الاكاديمية العربية الدولية
إن هذا الترابط هو الذي أقرب إلى ظاهر النص، ويرتبط بالدلالة النحوية التي تعنى بكيفية انتفاع المتلقي بالأنماط والتتابعات الشكلية في استعمال المعرفة والمعنى ونقلها وتذكرهما، فهو يعني بالربط القائم على النحو في البنية السطحية، بمعنى التشكيل النحوي للجمل وما يتعلق بالإحالة والحذف والربط وغيره([1]).
ويتحقق الربط النحوي من خلال الوظائف اللغوية الآتية:
1-مطلق الجمع
ويقصد به مطلق الجمع بين عنصرين، إذ تكون بينهما عند اجتماعهما في موقعهما علاقة مطلق الجمع ([2])ويربط مطلق الربط بين صورتين أو أكثر من صور المعلومات بالجمع بينهما؛ إذ تكونان متحدتين من حيث البيئة أو متشابهتين([3]) .
والأدوات التي تعبر عن علاقة مطلق الجمع هي 🙁 الواو ، أيضا ، بالإضافة إلى ، على هذا ).
ويسمي (فان دايك) هذا النوع من الربط بالوصل أو عطف التشريك وتؤديه (الواو)([4]).
والربط بالواو هو ربط خطي يقوم على الجمع بين جملة سابقة وأخرى تلحقها ، فيفيد مجرد
الترتيب في الذكر([5])، ويذكر مصطفى حميدة أن اللغة العربية تلجأ إلى الربط بواو العطف من أجل الإيجاز، وأمن اللبس في فهم علاقة الارتباط ، وللدلالة على معنى التشريك، فالربط بواو
العطف في جملة نحو:
جاء أبو عبداالله ومحمد، التي تتكون بنيتها المضمرة من جملتين بسيطتين هما:
أ- جاء أبو عبداالله ب- جاء محمد
أدى إلى أمن اللبس في فهم علاقة الارتباط ، لأن العطف بالواو يفيد معنى المغايرة ، ومعنى الاشتراك في حكم المجيء ؛ إذ يفيد مطلق الجمع ، فلو لم يتم الربط بالواو لكان المتلقي ظن أن العطف بين أبي عبداالله ومحمد عطف بيان، إذ ستكون الجملة جاء أبو عبداالله محمد([6]).
وهكذا يفيد (الواو) مطلق الجمع، “إذ لا يقتضي ترتيباً ولا عكسه، ولا معيّة، بل هي صالحة بوصفها لذلك كله”([7])، فمثال استعمالها في مقام الترتيب قوله تعالى:
[“وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ] (النساء:163).
ومثال استعمالها فـي عكـس الترتيـب قوله تعالى:
[وَعِيسَى وَأَيُّوبَ] (النساء:163).
ومثال استعمالها في المصاحبة قوله تعـالى:
[فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِـي الْفُلْك] (الشعراء: 119).
ومن الاسلوب القرآاني في استخدام(الواو) قوله تعالى:
[قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ] {الأنعام:162}
وقال تعالى:
[آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ] {البقرة:285}
وقال تعالى:
[زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المَآَبِ] {آل عمران:14}
ان المتأمل للآيات السابقة يلحظ مدى التناسب والانسجام، الذي أحدثه الوصل بين الأسماء، في الآيات السابقة، إذ جاءت منسجمة، متناسبة، مرتبة حسب درجتها وأهميتها، سواء في الآية الأولى بين: (الصلاة والنسك، والمحيا والممات) أو في الآية الثانية بين: (الله والملائكة والكتب والرسل)، أو في الآية الثالثة بين: (حب النساء، والبنين، والمال، والخيل، والأنعام، والحرث)، وهذا عطف بين الأسماء([8]).
أما الصفات – بشكل عام – فإنه لا يعطف بينها إلا إذا كان بينها تضاد، ومن ذلك:
قوله تعالى:
[هُوَ الأَوَّلُ وَالآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ] {الحديد:3}
فصفات: (الأول، والآخر، والظاهر، والباطن)، عطفت على بعضها؛ لأنها صفات متضادة.
والجمع بين الأسماء أو الصفات، والترتيب بينها، وتقديم بعضها على بعض لايكون اعتباطا، بل يكون من ورائه حكمة أو علة ما، ولا يكون ذلك إلا وفق منهج فني دقيق، وهذه بعض الأمثلة على ذلك:
أ- فقد تتقدم الكلمة لشرفها وعلو منزلتها كما في قوله تعالى حين قدم اسمه في الأمر بالطاعة:
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ] {النساء:59}
وكم افي ترتيبه لمن أنعم عليهم، في قوله:
[وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا] {النساء:69}
ب-وقد تتقدم الكلمة لتقدمها في الزمن أو العمل، كما في قوله تعالى:
[نَزَّلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ، مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ] {آل عمران:4-5}
إن مراعاة الترتيب الزمني واضح في الآية الكريمة إذ أن التوراة قبل الانجيل، والإنجيل قبل الفرقان في الترتيب الزمني.
ث- وقد تتقدم الكلمة بحكم رتبتها العددية، أو للارتقاء بالعدد من القليل إلى الكثير، كما في قوله تعالى:
[وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا] {النساء:3}([9])
ومن جمال الترابط النصي كذلك، في عطف الجمل – بالواو – قوله تعالى:
[إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ، وَإِذَا الكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ، وَإِذَا البِحَارُ فُجِّرَتْ، وَإِذَا القُبُورُ بُعْثِرَتْ] {الانفطار:1-4}
فهذه الأمور كلها عطف بعضها على بعض بجامع يجمعها، وهو كونها من أمارات القيامة.
ومن ذلك قوله تعالى:
[إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ، وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ، وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ، وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ، وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ، وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ، وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ، وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ، وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ، وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ، وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ، عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ] {التكوير آية 1- 14} .
ومن ذلك قوله:
[أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ] {الغاشية:17-20}
إذ ربط الاسلوب الاقرآني بين مفردات النص عن طريق العطف بالواو، وهو ربط حقق تناسبا وملاءمة وانسجاما بين جمل الآيات السابقة. فجاءت متماسكة متراصة، كحبات العقد المتلألئة، وقد زاد من جمال تألقها وانسجامها، التناسب الموسيقي الأخاذ بين فواصل آياتها، وما أكثر هذه الصور في نصوص القرآن الكريم.
كما وتجدر الاشارة بأن (الواو) شأنها كغيرها من أدوات النحو، تجاذبها النحاة القدماء بين مؤيد لمسألة ومخـالف لها، فمذهب جمهور أنها تستخدم للجمع المطلق، فإذا قلت: (قام زيد وعمرو)، فقد احتمل الكلام ثلاثة أوجه:
1- أن يكونا قاما معاً، في وقت واحد.
2- والثاني أن يكون المتقدم قام أولاً.
3- أن يكـون المتأخر قام أولاً.
في حين ذهب قومٌ إلى أنها للترتيب – وهو منقول عن قطرب، وثعلب، وأبي عمر الزاهد غلام ثعلب، والربعي، وهشام، وأبي جعفر الدينوري – ولكـن قـال هشام والدنيوري: (ورأيت زيداً وعمراً)، إذا اتحد زمان رؤيتهما إلى أن الواو لها معنيـان:
أ- معنـى اجتماع: فلا تبالي بأيهما بدأت، نحو: اختصم زيد وعمرو.
ب-معنى اقتران: بأن يختلف الزمـان، فالمتقدم في الزمان يتقدم في اللفظ، ولا يجوز أن يتقدم المتأخر.
وعن الفراء أنها للترتيب إذ يستحيل الجمع([10]).
([1])ينظر: أحمد عفيفي نحو النص ، مكتبة زهراء الشرق ، جامعة القاهرة ، 2001 ، ص:103.
([2])( روبرت دي بوجراند : النص و الخطاب و الإجراء . ص:151.
([3])( روبرت دي بوجراند : النص و الخطاب و الإجراء . ص .٣٤٦
([4])تون . أ . فان دايك : النص و السياق ” استقصاء البحث في الخطاب الدلالي و التداولي ” . ترجمة : عبد القادر قنيني (إفريقيا الشرق ، المغرب ، الدار البيضاء ، ٢٠٠٠م ) صـ . ٩٦
([5])الأزهر الزناد : نسيج النص . صـ .٣٧
([6])ينظر مصطفى حميدة : الارتباط والربط في اللغة العربية ) مكتبة لبنان، بيروت، ط١٩٩٧ ،١م( صـ ١٤٣
([7])ابن هشام، “شرح شذور الذهب”، تأليف: محمد محيي الدين عبدالحميد، مطبعة السعادة:446.
([8]) ينظر: من بلاغة النظم العربي: 2/ 150– 151
([9]) ينظر: من بلاغة النظم العربي: 152-153.
([10])المرادي، الحسن بن قاسم، “الجنى الداني في حروف المعاني”، تحقيق: فخر الدين قباوة ومحمد فاضل، دار) الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1992م: 158-159).
وقد قسم ابن هشام (الواو) إلى الاقسام الآتية:
الأول: الواو العاطفة.
الثاني والثالث: (واو) ان يرتفع ما بعدهما، ويشتمل على:
أ- (واو) الاستئناف.
ب-(واو) الحال الداخلة على الجملة الاسمية، نحو: جاء زيدٌ والشمس طالعـة، وتسـمى (الواو) الابتداء.
الرابع والخامس: (واو)ان ينتصب ما بعدهما، ويشتمل على:
أ- (واو) المفعول معه، نحو: سرتُ والنيل
ب-(الواو) الداخلة على المضارع المنصوب لعطفه على اسم صريح أو مؤول
السادس والسابع: (واو)ان ينجر ما بعدهما، ويشتمل على:
أ- (واو) القسم. ب-(واو) ربّ.
الثامن: (واو) دخولها كخروجها وهي “الزائدة”
التاسع: (واو) الثمانية.
العاشر: (الواو) الداخلة على الجملة الموصوف بها لتأكيد لصوقها بموصوفها.
الحادي عشر: (واو) الذكور.
الثاني عشر: (واو) علامة المذكرين.
الثالث عشر: (واو) الانكار.
الرابع عشر: (واو) التذكر.
الخامس عشر: (الواو) المبدلة من همزة الاستفهام المضموم ما قبلها.[ينظر: ابن هشام، “مغني اللبيب عن كتب الأعاريب”، تحقيق مازن المبارك ومحمد حمداالله، دار الفكر، ط6 ،1985م(بتصرف ،483-470)].
Tag:الترابط النحوي